البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح١، وحرموا طيبات الطعام واللباس، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار، وما هموا به من الاختصاء، فنزلت فيهم، فبعث النبي ﷺ إليهم، فقال: "إن لأنفسكم عليكم حقًا، وإن لأعينكم حقًا، صوموا وأفطروًا، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا". فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت٢.
قال تعالى: ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ ٣ ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ ٤ ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ٥ لا خلاف أن كل واحد من الاسمين في هذه الآيات لما أُفرد شمل المقل والمعدم، ولما قرن أحدهما بالآخر في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ ٦ الآية، كان المراد بأحدهما
_________
١ المسوح جمع "مِسْح" بكسر الميم وإسكان السين كساء من شعر. انظر مختار الصحاح، ص (٤٥٥)، والمعجم الوسيط (٢/٩٠٣) "مسح".
٢ شرح العقيدة الطحاوية، ص (٧٨٨-٧٩٠) . والأثر بهذا اللفظ أخرجه ابن جرير في تفسيره برقم (١٢٣٤٨) عن ابن جريج عن عكرمة. قال ابن كثير بعد أن أورد هذا الأثر في تفسيره (٢/٨٩): "وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة، ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين". قلت: وللوقوف على هذه الروايات المرسلة انظر جامع البيان (١٠/٥١٤-٥١٨)، وتفسير ابن أبي حاتم (٤/١١٨٧) . والمؤلف إما أنه نقل سبب النزول من جامع البيان، أو من تفسير شيخه ابن كثير.
٣ سورة المائدة، الآية: ٨٩.
٤ سورة المجادلة، الآية: ٤.
٥ سورة البقرة، الآية ٢٧١.
٦ سورة التوبة، الآية ٦٠.
120 / 66