{ وليست التوبة } الصادرة حين الإلجاء والاضطرار نافعة { للذين يعملون السيئات } في مدة أعمارهم، مسوفين التوبة فيها { حتى إذا حضر أحدهم الموت } الملجئ إليها { قال } متحسرا، متأسفا مضطرا بعدما آيس من الحياة، وأبصر أمارات الموت في نفسه على السكرات: { إني تبت الآن } على وجه التأكيد والمبالغة، وهي لا تنفع له وإن بالغ، والسر في عدم قبول الله إياها؛ لأن الإنابة والرجوع إلى الله لا بد أن يكون عن قصد واختيار، حتى يعتبر عند الله ويقبل، لا عن الإلجاء الاضطرار؛ إذ لا يتصف التائب حينئذ بالعبودية والإطاعة وقصد التقرب إلى الله.
بل { ولا } فرق بينهم وبين الكافرين { الذين يموتون وهم } في حال الموت { كفار } كما كان { أولئك } المسوفون، المقصرون في أمر التوبة { أعتدنا } هيأنا باسمنا المنتقم في النشأة الأخرى { لهم عذابا } حرمانا وطردا { أليما } [النساء: 18] مؤلما؛ لرؤيتهم التائبين المبادرين عليها في مقعهد صدق عند مليك مقتدر على الإنعام والانتقام.
تب علينا بفضلك، إنك أنت التواب الرحيم.
ثم لما كانت العادة في الجاهلية إيراث النساء كرها، وذلك أنه لو مات واحد منهم وله عصبة، ألقى ثوبه على امرأة الميت، فكانت في تصرفه وحمايته، وله اختيارها، سواء تزوجها بالصداق الأول أو إكراها أو طوعا، ويضر عليها، ويمنعها إلى أن يقدم له مثل صداقها، ثم أطلقها، نبه سبحانه على المؤمنين ألا تصدر عنهم أمثال هذا فقال: { يأيها الذين ءامنوا } بالله ورسوله اتركوا جميع ما كان عليكم في جاهليتكم قبل الإيمان، سيما إيراث النساء، واعلموا أنه { لا يحل لكم } في دينكم وشرعكم { أن ترثوا النسآء } أي: نساء أقاربكم ومورثكم، وتزوجوهن أو تفدوا منهن { كرها } حال كونكم مكرهين، أو هن كارهات لتزويجكم.
{ و } أيضا من الحدود المتعلقة بأمور النساء أن { لا تعضلوهن } مطلقا؛ أي: لا يحل أن تضيقوا على نسائكم حين انتقضت محبتكم إياهن، وقل وقعن عندكم إلى أن تلجئوهن بالفدية والخلع { لتذهبوا } حين الطلاق { ببعض مآ ءاتيتموهن } أو كلها حين النكاح { إلا أن يأتين } - العياذ بالله تعالى - { بفحشة } فعلة قبيحة، محرمة عقلا وشرعا { مبينة } ثابتة ظاهرة { و } إن لم يأتين بشيء من الفواحش { عاشروهن بالمعروف } المستحسن عقلا وشرعا { فإن كرهتموهن } طبعا عليكم أن تكذبوا طباعكم المخالفة للعقل والشرع؛ إذ هي من طغيان القوة البهيمية، لا تبالوا بها وبمقتضاها { فعسى أن تكرهوا شيئا } بمقتضى طبعكم { و } لا تعلمون أن { يجعل الله فيه } بمقتضى حكمته ومصلحته { خيرا كثيرا } [النساء: 19] نافعا لكم ولغيركم.
[4.20-22]
{ وإن } غلب عليكم بمقتضى طبعكم { أردتم استبدال زوج } منكوحة جديدة { مكان زوج } قديمة أردتم تطليقها، فعلكيم في دينكم ألا تأخذوا من المطلقة شيئا { و } إن { آتيتم } حالة النكاح { إحداهن } أي: كل واحدة منهم إن كن أكثر من واحدة { قنطارا } مالا كثيرا منضدا، مخزونا { فلا تأخذوا منه } من القنطار { شيئا } قليلا نزا يسيرا { أتأخذونه } أي: من مهورهن أيها المفرطون في متابعة الطبيعة { بهتانا } تفترونه عليهن { و } تكسبون به { إثما مبينا } [النساء: 20] عظيما عند الله وعند المؤمنين.
{ وكيف تأخذونه } ولا تعلمون { و } تستحضرون أنه { قد أفضى } وصل بالمهر { بعضكم } ذكوركم { إلى بعض } إناثكم { وأخذن } عهدهن { منكم } من أجلكم ورعاية غبطتكم { ميثقا غليظا } [النساء: 21] عهدا وثيقا لا ينفصم أصلا، وهو ألا يأتين بفاحشة، ولا يبيدن زينتهن إلا لبعولتهن، وأن يقصرن نظرهن عليكم، ويخدمن ويحسن المعاشرة، إلى غير ذلك من الحدود والحقوق.
{ و } أيضا من الحدود المتعلقة بأمر النساء أن { لا تنكحوا } أي: لا تطئوا ولا تجامعوا أيها المؤمنون { ما نكح } ما وطئ { ءابآؤكم } أسلافكم سواء كانوا مؤمنين أو كفارا { من النسآء } سواء كن أمهاتكم أم لا، حرائر ورقيقات لاستهجان هذا الأمر عقلا وشرعا ومروءة بل طبعا، بناء على ما حكي عن بعض الحيوانات أنه لا يجامع مع أمه لتبة كالفرس النجيب وغيره، ومن أتى ما نهي عنه فقد استحق مقت الله وطرده { إلا ما قد سلف } سبق من وقوعه قبل ورورد النهي { إنه } أي نكاح منكوحة الأسلاف { كان } صار { فاحشة } عظيمة من الفواحش التي منعها الشرع { و } مع ذلك { مقتا } حرمانا وطردا عن مربتة الإنسانية، لذلك سمى العرب من حصل منه: المقتى { وسآء سبيلا } [النساء: 22] لمن أتى به سبيل البعد والخذلان عن ساحة الحضور.
عصمنا الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
Неизвестная страница