لذلك رد الله عليهم على سبيل التنبيه والتعليم بقوله: { ما كان } أي: ما صح وجاز { لبشر } خصه لرسالته ونيابته { أن يؤتيه الله } ينزله { الكتب } المبين له الشرائع { والحكم } المحفوظ فيها، المتعلق بأحوال العباد في معاشهم { والنبوة } المقتبسة منها، المتعلقة بأحوالهم في معادهم { ثم } بعدما اصطفاه الله واختاره بالتشريف الأتم الأكمل { يقول للناس } المرسل إليهم تجبرا واستكبارا: { كونوا عبادا لي } اعبدوني عبادة خاصة { من دون } عبادة { الله } وما هي إلا شرك غليظ، كيف صدر أمثال هذه الهذيانات من مشكاة النبوة، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا { ولكن } قولهم وأمرهم عليهم هو كذا: { كونوا } أيها الموحدون { ربنيين } مخلصين، ولا تكونوا شياطنيين مشركين { بما كنتم تعلمون } أي: تعلمون أنتم من { الكتب } من أمور دينكم { وبما كنتم تدرسون } [آل عمران: 79] تعلمونه لغيركم من تلامذتكم، وما يأمر ويوحي الأنبياء إلا مثل هذا.
{ ولا يأمركم } نبيكم إضلالا لكم مع كونه هدايا { أن تتخذوا الملائكة والنبيين } المرسلين لكم من عد الله بوسيلة الملائكة { أربابا } آلهة موجودين أصالة غير الله { أيأمركم } أتظنون أن يأمركم النبي المرسل لهدايتكم إلى طريق التوحيد { بالكفر } بالشرك { بعد إذ أنتم مسلمون } [آل عمران: 80] موحدون برسالته، أفلا تعقلون؟.
[3.81-84]
{ و } اذكر يا أكمل الرسل لمن خاصمك من أهل الكتاب وقت { إذ أخذ الله } المدبر لأمور عباده { ميثاق النبيين } أي: عهودهم الوثيقة، المتعلقة بالأمثال، والمحافظة { لمآ } أي: الذي { آتيتكم } تفضيلا عليكم { من كتاب } مبين لكم ولأمتكم الأحكام الظاهرة المتعلقة بالمعاملات { وحكمة } مورثة لكم ولهم الأخلاق المرضية، الموصلة إلى التوحيد الذاتي { ثم } أخذ الله مواثيقهم أيضا بأنه متى { جآءكم } وعلى أمتكم { رسول } مرسل من عندنا على التوحيد الذاتي { مصدق لما معكم } من توحيد الصفات والأفعال { لتؤمنن به } أنتم، ولتبلغن على أمتكم أن يؤمنوا له، وتصدقوه { و } لا تكتفون أنتم وأممكم بمجرد الإيمان والتصديق، بل { لتنصرنه } فيما جاء به، وهو التوحيد الذاتي؛ إذ مرجع جميع الملل والنحل إليه، لذلك ختم ببعثته صلى الله عليه وسلم أمر الإنزال والإرسال.
وبعد أخذ المواثيق { قال } سبحانه مستفهما على سبيل التقرير وتأكيدا: { أأقررتم } أيها الأنبياء أنتم { وأخذتم } من أممكم المنتسبون إليكم { على ذلكم } عهودكم ومواثيقكم { إصري } أي: حلفي وعهدي الثقيل الذي يوجب نقضه أنواعا من العذاب والنكال؟ { قالوا أقررنا } بعهودك ومواثيقك سمعا وطاعة، وأخذنا أيضا من أممنا { قال } سبحانه: { فاشهدوا } أي: فاحفظوا المواثيق، ولا تغفلوا عنها { وأنا معكم من الشاهدين } [آل عمران: 81] الحاضرين المطلعين لحفظكم ووقائكم { فمن تولى } أعرض منكم { بعد ذلك } العهد الوثيق { فأولئك } المعرضون { هم الفاسقون } [آل عمران: 82] الخارجون عن طريق التوحيد الذاتي الجامع لجميع الطرق.
{ أفغير دين الله } الذي هو التوحيد الذاتي { يبغون } تطلبون أيها المعرضون الفاسقون { و } الحال أن { له أسلم } انقاد وتذلل { من في السموت } من أرباب الشهود والمكاشفات { و } من في { الأرض } من أصحاب العلوم والمعاملات { طوعا } تحقيقا ويقينا { وكرها } تقليدا وتخمينا { وإليه } لا إلى غيره { يرجعون } [آل عمران: 83] رجوع الظل إلى ذي ظل.
{ قل } يا أكمل الرسل بلسان الجمع { آمنا } أذعنا وأيقنا { بالله } الواحد الأحد، المتفرد بالتحقيق والوجود { و } صدقنا { مآ أنزل علينا } من عنده من الكتاب المبين لتوحيده { ومآ أنزل } أيضا في سالف الزمان { على } أسلافنا { إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } أولاد يعقوب وأحفاده { و } صدقنا أيضا { ما أوتي موسى وعيسى والنبيون } الموجودون الملهمون { من ربهم } على مقتضى استعداداتهم { لا نفرق بين أحد منهم } بالإطاعة والتصديق { و } كيف نفرق ونخصص؛ إذ { نحن } المتدينون بدين الله المتجلي في الآفاق { له } باعتبار تفرده وإحاطته وظهوره في المظاهر كلها بأوصافه وأسمائه بلا تفاوت { مسلمون } [آل عمران: 84] مؤمنون موقنون.
[3.85-89]
{ ومن يبتغ } يطلب ويتدين { غير الإسلام } المنزل على خير الأنام { دينا } وشريعة { فلن يقبل منه } يوم الدين القويم، المستجمع لجميع الأديان، الناسخ لها هو الإسلام؛ لابتنائه على التوحيد الذاتي المسقط للإضافات والخصوصيات مطلقا { وهو } أي: المتدين بغير دين الإسلام { في } النشأة { الآخرة } وقت حصاد كل ما يزرعه في النشأة الأولى { من الخاسرين } [آل عمران: 85] خسرانا مبينا.
نعتصم بك من إنزال قهرك يا ذا القوة المتين.
Неизвестная страница