447

ثم أخذ سبحانه بتطهير المؤمنين عن أفحش الفواحش وأقبح الآثام، فقال: { الزانية والزاني } أي: حكمهما وحدهما فيما فرضناهما، وتلوناها عليكم أيها المؤمنين الجلد، قدم سبحانه الزانية؛ لأن وقوع الزنا في الأغلب من جانبهن، ومن غرض نفوسهن، وزينتهن على الرجال، وإذا سمعتم أيها الحكام الحدود والحكم فيهما { فاجلدوا } بعدما ثبت الزنا بينما، وهما غير محصنين؛ إذ حكم المحصن مطلقا بالإجماع رجم كل منهما إن كانا محصنين، ورجم أحدهما إن كان الآخر غير محصن.

والمحصن هو: المسلم الحر العاقل البالغ الذي وقع منه الوقاع بنكاح صحيح { كل واحد منهما مئة جلدة } أي: مائة ضربة بسوط مؤلمة مجلدة أشد إيلام بدل ضربات استلذ بها حال الوقاع.

وزاد الإمام الشاافعي - رحمه الله - على جلد المائة تغريب العام؛ إذ هو أحوط وأدخل في الانزجار، لقوله صلى الله عليه وسلم:

" البكر بالبكر جلد مائة وتعريب عام ".

{ ولا تأخذكم } أيها الحكام وقت إجرائكم الحدود والأحكام { بهما رأفة } رقة ومرحمة تضيعون بها حكمة الحد؛ إذ لا رأفة { في دين الله } وتفييذ أحكامه وحدوده الموضوعة فيه { إن كنتم } أيها لاحكام المقيمون للأحكام والحدود { تؤمنون بالله } وبجميع ما جاء به من عنده من الأوامر والنواهي، وجميع الحدود الموضوعة من عنده { واليوم الآخر } الذي فيه تبلى السرائر وتكشف الضمائر، فلكم أن تقيموا حدود الله على الوجه الذي أمرت به؛ لئلا تؤاخذوا في يوم الجزاء.

{ و } بعدما قصدتم أيها الحكام إجراء الحد عليهما { ليشهد } أي: ليحضر وليبصر { عذابهما طآئفة } أي: جميع حثير { من المؤمنين } [النور: 2] المعتبرين تفيضيحا لهما، وتشهيرا لأمرهما؛ لينزجرا مما جرى عليهما من في قلبه ميل إلى أمثا ما أتيا به من الفعلة القبيحة والديدنة الشنيعة.

ثم أشار سبحاه إلى قبح مناكحتهما وشناعة ألفتهما، ومواصلتهما على وجه المبالغة في النهي والكراهة، فقال: { الزاني } أي: الذي يرغب، ويميل إلى عورات المسلمين بلا رخصة شرعية تعديا عن حدود الله وهتكا لستره { لا ينكح } إن نكح { إلا زانية } مثله مناسبة له ومشاكلة إياه؛ إذ الجنسية علة التضام والألفة { أو مشركة } هي أخس وأخبث وأشد قبحا وشناعة { والزانية } الراغبة للأجانب، المائلة إليهم بلا طريق شرعي { لا ينكحهآ } أيضا { إلا زان } كذلك لكمال الملائمة والمشابهة { أو مشرك } هو أخبث وأقبح { وحرم ذلك } الفعل القبيح، والخصلة الذميمة الشنيعة { على المؤمنين } [النور: 3] الموقنين المخصلين من أرباب العزائم، ونهي على أهل الرخص منهم نهيا واصلا إلى حد النفي والحرمة.

ثم قال سبحانه: { والذين يرمون } بالزنا { المحصنات } الحرائر العاقلات البالغات العفائف من المسلمات، سواء كان الرامي أزواجهن أو غيرهم، وحكم المحصنين أيضا كذلك، وإنما خصهن بالذكر؛ لكثرة ورود الرمي في حقهن، وكون رميهن سببا لنزول الآية الكريمة، { ثم } بعدما رموا { لم يأتوا } لإثباته { بأربعة شهدآء } ذوي عدل وأمانة ومروءة؛ بحيث لم يكونوا متجسسين عن أحوال الزانيين البغيين، ولا مستورين منتظرين لاطلاع ما يأتيان به من الفعلة الشنيعة، بل وقع نظرهم عليها بغتة فرأوا قبح صنيعهما - العياذ بالله - كالميل في المكحلة.

فإن أتوا بأربعة شهداء على الوجه المذكور فقد أثبتوا الزنا، وإن لم يأتوا { فاجلدوهم } أيها الحكام، الراميين القاذفين { ثمانين جلدة } لا كجلدة الزنا بل أخف منها كما هي أقل عددا.

{ و } بعدما جلدتم أيها الميقيمون لحدود الله { لا تقبلوا لهم شهادة } أصلآ في حال من الأحوال ودعوى من الدعاوي { أبدا } إلى انقراض حياتهم { وأولئك } الأشقياء المردودون { هم الفاسقون } [النور: 4] الخارجون عن مقتضى العقل والشرع، المسقطون للمروءة والعدالة، التاركون طريق الإنصاف والانتصاف، لا ترجى نجاتهم من عذاب الله أصلا.

Неизвестная страница