{ أولئك } السعداء المحسنون الأدب مع الله، المخلصون في أعمالهم { يسارعون } أي: يرغبون ويبادرون { في الخيرات } وأنواع الطاعات والعبادات والحسنات، راجين أنواع الكرامات والمثوبات من الله { وهم لها } أي: للحسنات وأنواع الخيرات والمبرات دائما { سابقون } [المؤمنون: 61] سارعون ساعون مبادرون.
{ و } اعلموا أيها المكلفون بأنواع التكاليف المصفية لظواهركم وبواطنكم { لا نكلف } ولا نحتمل { نفسا إلا وسعها } أي: مقدار وسعها وطاقتها على ما هو مقتضى استعداداتهم وقابليتهم، وكيف نكلفهم بما لا طاقة لهم { ولدينا كتاب } جامع لجميع أحوال ما حدث وكان، ويحدث ويكون، وهو لوح قضائنا وحضرة علمنا مع أنه { ينطق بالحق } السوي الثابت المطابق للواقع بلا إفراط وتفريط { وهم لا يظلمون } [المؤمنون: 62] بزيادة العذاب ونقصان الثواب، بل كل منهم مجزي بمقتضى ما ثبت فيه.
والكفار من غاية انهماكهم في الغفلة والضلال ينكرون لكتابنا الجامع لجميع الكوائن والفواسد الناطق بالحق المطابق للواقع { بل قلوبهم } التي جبلت وعاء للإيمان والتصديق { في غمرة } أي: غطاء وغشاوة { من هذا } الطريق الذي يترتب عليه الفلاح والفوز بالنجاح، وهو طريق التوحيد والتصديق { ولهم أعمال } طالحة على مقتضى أهويتهم الفاسدة وآرائهم الباطلة { من دون ذلك } الأمر الذي تعبدنا بها عبادنا على ألسنة رسلنا { هم لها عاملون } [المؤمنون: 63] وإليها متوجهون دائما، وعن طريق الحق وسبيل التوحيد ناكبون منصرفون.
[23.64-71]
{ حتى إذآ أخذنا مترفيهم } ومتنعميهم { بالعذاب إذا هم يجأرون } [المؤمنون: 64] أي: يستغيثون ويستعينون؛ يعني هم في الراحة والرضا عنا غافلون، وإذا أخذناهم بالبلاء والعناء، فأجاءوا إلى الاستغاثة والاستعانة منا، منصرفين إلينا، متضرعين نحونا.
لذلك يقال لهم طردا وردا: { لا تجأروا } أيها المسرفون ولا تستنصروا { اليوم } منا حين نزول { إنكم } العذاب بسبب غفلتكم عنا، وإنكاركم علينا في يوم الراحة والرخاء { منا لا تنصرون } [المؤمنون: 65] أصلا، فاليوم لا ينفعكم دعاؤكم.
وكيف تستنصرون عني أما تستحيون مني؛ إذ { قد كانت آياتي } الدالة على عظمة ذاتي وعلو شأني وشدة سلطنتي وسطوتي { تتلى عليكم } تليينا لقلوبكم وإصلاحا لعيوبكم { فكنتم } من شدة عتوكم واستكباركم { على أعقابكم تنكصون } [المؤمنون: 66] وترجعون رجوع القهقرى، منصرفين عن سماعها.
حال كونكم { مستكبرين به } أي: بالكتاب والآيات المندرجة فيه إلى حيث لا تذكرونه { سامرا } أيضا؛ أي: حاكيا به في الليل على ما هو عادتكم وسنتكم المستمرة بينكم؛ إذ كنتم تسمرون حول البيت في خلال الليل، سيما بالأحاديث الحديثة الجديدة بل { تهجرون } [المؤمنون: 67] وتتركون السمر به مطلقان حتى لا تسمعوا ذكر الآيات والكتاب أصلا، فكيف ما فيه من الأوامر والنواهي.
ومع استكبارهم واستهزائكم بنا وبآياتنا وبرسلنا على أبلغ الوجوده وأشدها، تستنصرون منا وتستغيثون إلينا؟ { أ } ينكر المشركون القرآن، ويستكبرون به عنادا ومكابرة { فلم يدبروا } ولم يتأملوا حق التأمل { القول } أي: المقول والمسموع؛ ليظهر لهم إعجازه، ويتضح عندهم فصاحته وبلاغته الخارجة عن طور العقل وطوق البشر كي لا يبادروا إلى إنكاره وتكذيبه، بل يصدقوه ويؤمنوا له وبمن جاء به.
{ أم جآءهم } أي: بل يعلمون لو تأملوا أنه جاءهم من الله كتاب يخصلهم من العذاب الأخروي لو امتثلوا بما فيه مع أنه { ما لم يأت } أي: كتابهم هذا شيء لم يأت مثله { آبآءهم الأولين } [المؤمنون: 68] حتى يتأملوا فيه، ويؤمنوا له فيخلصوا من العذاب، فهؤلاء الحمقى الهلكى، المنهمكون في الغي والضلال، ويفوتون على أنفسهم الإيمان به والهداية بامتثال ما فيه، حتى يستحقوا الخلاص والنجاة.
Неизвестная страница