373

وبالجملة: نعم القرين العزلة، والفرار عن تغريرات الدنيا الغدارة المكارة، والخمول في زوايا الكهوف والأغوار عن اختلاط أصحاب الخسار والبوار.

وفقنا بفضلك وجودك بما تحب منا وترضى.

[19 - سورة مريم]

[19.1-11]

{ كهيعص } [مريم: 1] يا كافي مهام جميع الأنام، وهاديهم إلى دار السلام بيد القدرة العلية الصادرة عنك نيابة عنا.

هذه السورة: { ذكر رحمت ربك } الذي رباك كافيا هدايا للمضلين ينبوعا للعلوم الصافية اللدنية الجارية من قبلك على لسانك بمقتضى الوحي الإلهي والإلهامات الغيبية { عبده زكريآ } [مريم:2] المتوجه نحوه في السراء والضراء، المسترجع إليه عند هجوم البلاء وحلول العناء.

اذكر وقت { إذ نادى ربه } نداء مؤمل ضريع، وناجى معه مناجاة ما يؤنس فجيع { ندآء خفيا } [مريم: 3] متمنيا متحسرا، آمرا في ندائه ليأسه وقنوطه؛ لانقضاء وقت الولد وأوانه؛ لئلا يلام عند الناس لطلب الولد وقت الهرم من كلا الجنابين.

حيث { قال } مشتكيا إلى الله باثا شكواه عنده سبحانه: { رب } يا من رباني بأنواع اللطف والكرم { إني } من غاية ضعفي، ونهاية هزالي ونحولي { وهن العظم مني } أي: ضعفت دعائم جسمي وقوائم بدني، وأشرفت على الانهدام والانصرام { واشتعل الرأس شيبا } أي: اشتعل شبيب رأسي، وذهب سواده، وانقلب إلى البياض المشعر بالانقضاء والزوال، مثل ابيضاض النباتات وقت الخريف { ولم أكن بدعآئك } أي: لم أكن في كل حال بدعائي إياك { رب شقيا } [مريم: 4] خائبا خاسرا مردودا، بل عودتني بفضلك وجودك بالإجابة والإنجاح، وهذا الدعاء وإن كان أبعد بحسب العادة من الإجابة إلا أنه بالنسبة إلى قدرتك وجودك أقرب، ويجنب حولك وقوتك أسهل وأيسر، سيما ألهمتني به ووفقتني على إظهاره.

{ وإني } يا رب { خفت الموالي } أي: ن أبناء أعمامي الذين يترصدون الولاية والحبورة { من ورآءى } وبعد انقراضي وانقضائي أن يغيروها ويضيعوها، ويحرفوا معالم الدين وشعائر الإسلام بين المسلمين؛ إذ لا يرجى منهم الرشد والصلاح، والخير والفلاح، وأنت أعلم بحالهم مني يا رب، وليس لي ولد صالح يخلفني بعدي، ولم يبق لي قوة الاستيلاد لهرمي وضعفي { وكانت امرأتي عاقرا } عقيما أصليا لم تلد قط، فلا مرجع لي في أمري سوى بدائع صنعتك، وغرائب قدرتك { فهب لي } بمقتضى فضلك وجودك { من لدنك } لا على طريق العادة ومقتضى الأسباب الصوري ولدا { وليا } [مريم: 5] يولي أمر دين بني أمتي.

بحيث: { يرثني } عني نبوتي وحبورتي وولايتي، وجيمع ما أنزلت علي خاصة من مقتضيات إحسانك إلي وإنعامك علي { ويرث } أيضا { من آل يعقوب } ما بقي منهم من شعائر الدين ومعالم الهدى واليقين، قيل: كان زكريا أخا يعقوب بن إسحاق، { و } بالجملة: { اجعله رب } بمقتضى كرمك وجودك { رضيا } [مريم: 6] راضيا عنك بجميع ما جرى عليه من قضائك، صابرا على نزول عموم بلائك، شاكرا على نعمائك مرضيا عندك وعند عموم عبادك.

Неизвестная страница