{ إنما يأمركم } ويغرركم { بالسوء } الخصلة الذميمة { والفحشآء } الظاهر القباحة؛ ليخرجكم عن حدود الله الموضوعة فيكم لتهذيب ظاهركم { وأن تقولوا } بعدما خرجتم عن حدود الشرع { على الله } المتوحد المتفرد المنزه في ذاته { ما لا تعلمون } [البقرة: 169] لياقته في حقه في حصره في الأنداد والأشباه، وإثبات الولد له والمكان والجهة والجسم، تعالى عما يوقل الظالمون علوا كبيرا.
{ وإذا قيل لهم } أي: لمن يتبع خطوات الشيطان إمحاضا للنصح وتحريكا لحمية الفطرة الأصلية: { اتبعوا مآ أنزل الله } على نبيه من البينات والهدى لتهتدوا إلى توحيد الله { قالوا } في الجواب بإلقاء شياطينهم: لا نتبع ما ألقيتم علينا من المزخرفات { بل نتبع مآ ألفينا } وجدنا { عليه آبآءنآ } وهم أعقل منا، قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا توبيخا وتقريعا لهم: { أولو كان آباؤهم } ضالون جاهلون { لا يعقلون شيئا } من أمر الدين { ولا يهتدون } [البقرة: 170] أصلا إلى مرتبة اليقين، بل كانوا كذلك، بل أسوأ حالا من ذلك، فكيف تتبعهم؟.
[2.171-173]
{ و } إن شئت يا أكمل الرسل زيادة تفضيحهم اذكر للمؤمنين قولنا: { مثل الذين كفروا } تقليدا لآبائهم مع قابليتهم واستعدادهم للإيمان { كمثل } الشخص { الذي ينعق } يخاطب ويصوت من سفاهته { بما } أي: بجماد { لا يسمع } منه شيئا في مقابلته { إلا دعآء وندآء } منعكسين من دعائه، شبه حالهم في السفاهة والحماقة بحال من يصوت نحو الجبل فيسمع منه صوته منعكسة، فيتخيل من سفاهته أنه يتكلم معه، والحال أن آباءهم أيضا أمثالهم { صم } لا يسمعون دعوة الحق من ألسنة الرسل { بكم } أيضا لا يتكلمون بما ظهر لهم من الحق الصريح نقلا وعقلا { عمي } أيضا، لا يبصرون آثار الصفات وأنوار تجليات الذات الظاهرة على الآفاق { فهم } وآباؤهم من غاية انهماكهم في الغفلة والنسيان كأنهم { لا يعقلون } [البقرة: 171] أي: لا يخلقون من زمرة العقلاء.
نبهنا بفظلك عن سنة الغفلة ونوم النسيان.
ثم ناداهم سبحانه، وأوصاهم بما يتعلق بأمور معاشهم أيضا بقوله: { يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات } مزكيات ما أحل لكم من الحيوانات من { ما رزقناكم } سقنا نحوكم تفضلا؛ لتقوية مزاجكم وتعديله { و } بعد تقويتنا وتعديلنا إياكم { اشكروا لله } المنعم المفضل، المربي لكم بلا التفات إلى الوسائق والوسائق { إن كنتم إياه } لا إلى غيره من الآليهة { تعبدون } [البقرة: 172] تقصرون العبادة.
قل لهم يا أكمل الرسل نيابة: { إنما حرم عليكم } أي: ما حرم ربكم عليكم في دينكم من الحيوانات إلا { الميتة } حتف نفسه بلا تزيكة وتهليل { والدم } السائل من أي وجه كان { ولحم الخنزير } المرخص في الأديان الأخر لنجاسة عينه طبعا وشرعا { ومآ أهل } صوت { به لغير } اسم { الله } عند ذبحه من أسماء الأصنام، وإنما حرم عليكم هذه الأشياء وقت سعتكم { فمن اضطر } منكم حال كونه { غير باغ } للولاة القائمين بحدود الله { ولا عاد } مجاوزا عن شدة الجوعة إلى وقت السعة { فلا إثم عليه } إن تناول منها مقدار سد الرمق { إن الله } المرخص لكم في أمثال المضائق والاضطرار { غفور } سائر لكم عن أمثال هذه الجراءة { رحيم } [البقرة: 173] علكيم بهذه الرخصة.
[2.174-176]
ثم قال سبحانه: { إن الذين يكتمون مآ أنزل الله } المدبر لأمور عباده { من الكتاب } المبين لهم طريق الرشاد والسداد، ويظهرون بدله ما تشتهيه نفوسهم وترتضيه عقولهم عتوا واستكبارا { ويشترون به } أي: بكتمان كتاب الله { ثمنا قليلا } من ضعفاء الناس على وجه التحف والهدايا { أولئك } الكاتمون طريق الحق، الناكبون عن منهج الصدق { ما يأكلون } بهذه الحيلة والتزوير، لا يستحيل { في بطونهم إلا النار } أي: نار الحرص والطمع المقتبسة من نيران الإمكان المنتهية إلى نار الجحيم، أعاذنا الله منها { و } من فطاعة أمرهم وسناعة صنيعهم { لا يكلمهم الله } المنكشف عن أحوال العباد { يوم القيامة } ليجزيهم على مقتضى أعمالهم التي كانوا عليها في النشأة الأولى، بل يسوقهم إلى النار بلا كشف عن حالهم { و } بعد ما ساقهم إليها { لا يزكيهم } أي: لا يطهرهم الله بها كما يطهر عصاة المؤمنين بالنار، ثم يخرجهم إلى الجنة، يبقون فيها خالدين { ولهم } فيها { عذاب أليم } [البقرة: 174] مؤلم غير منقطع أبدا.
{ أولئك } الظالون الخاسرون هم { الذين اشتروا الضلالة } المستتبعة لهذا النكال { بالهدى } الموصل إلى النعيم الدائم في النشأة الأولى { والعذاب بالمغفرة } الملذة المستمرة في النشأة الأخرى { فمآ } أعجب حالهم ما { أصبرهم على النار } [البقرة: 175] بارتكاب تلك الموجبات المؤدية إليها.
Неизвестная страница