{ وإن عليك اللعنة } والطرد والتخذيل، نازلة مستمرة { إلى يوم الدين } [الحجر: 35] مقرك ومقيلك النار المعدة لك، ولمن تبعك من عصاة العباد.
ثم لما أيس إبليس عن القبول، وقنط عن رحمة الله { قال } مشتكيا متحسرا متأوها: { رب } يا من رباني بأنواع الكرم والنعم، فكفرت نعمك بمخالفة أمرك { فأنظرني } وأمهلني { إلى يوم يبعثون } [الحجر: 36] ويحشرون؛ لأغوي بني آدم، وأنتقم عنهم.
{ قال } سبحانه: { فإنك من المنظرين } [الحجر: 37] لتكون عبرة للعالمين.
{ إلى يوم الوقت المعلوم } [الحجر: 38] أي: إلى وقت لا يمكن فيه تلاقي التقصير، وكسب الزاد للمعاد، وتهيئة الأسباب ليوم المعياد.
قيل: هي النخفة الأولى لحشر الأجساد.
{ قال } إبليس مقسما مبالغا: { رب بمآ أغويتني } أي: بحق قدرتك التي أغويتني وأضللتني بها، وأحطتني عن رفعة منزلتي، وأخرجتني من بين أحبتي وأخوتي { لأزينن لهم } أعمالهم الفاسدة، وأحسن عليهم الأفعال القبيحة { في الأرض } وإغريتهم إلى ارتكاب أنواع المفاسد والمقابح عليها، وأصناف الجرائم والآثام المائلة إليها نفوسهم طبعا { و } بالجملة: { لأغوينهم } وأضلنهم { أجمعين } [الحجر: 39] بحيث لا يشذ عنهم أحد من ذوي النفوس الأمارة.
{ إلا عبادك منهم المخلصين } [الحجر: 40] المخلصين رقابهم عن ربقة الأمارة، المطمئنين المتمكنين في مقام الرضا والتسليم.
{ قال } سبحانه على مقتضى إشفاقه ورحمته: { هذا } أي: إخلاص المخلصين المطمئنين، الراضين بما جرى عليم من قضائي { صراط علي } وطريق موصل إلى توحيدي، ووحدة ذاتي واستقلالي في آثار أوصافي وأسمائي { مستقيم } [الحجر: 41] لا عوج فيه أصلا، من توجه إلي عن هذا الطريق فاز ونجا، بحيث لا يعرضه الضلال والانحراف أصلا، وكيف يعرضه؛ ذ هو من خلص عبادي؟!.
[15.42-58]
{ إن عبادي } الذين هم تحت قبابي { ليس لك } أيها المضل المغوي { عليهم سلطان } أي: استيلاء وغلبة { إلا من اتبعك من الغاوين } [الحجر: 42] الضالين بإغوائك عن منهج اليقين، وهم وإن كانوا من جنسهم صورة ليسوا منهم حقيقة.
Неизвестная страница