[14.11-12]
{ قالت لهم رسلهم } مسلمين منهم المشاركة في الجنس: { إن نحن إلا بشر مثلكم } نشارك لكم في جميع أحوال البشر وأوصافه { ولكن الله } المنعم المفضل { يمن على من يشآء من عباده } بمقتضى جوده وأحسانه بفضائل مخصوصة وكرائم غير شاملة على تفاوت مراتبهم واستعدادتهم المثبتة في علم الله { و } أما أمر مقترحاتكم فإنه { ما كان } أي: صح وجاز { لنآ أن نأتيكم بسلطان } تقترحون { إلا بإذن الله } أي: بتوفيقه ووحيه وإقداره إن تعلق إرادته بصدورها منا { وعلى الله } لا على غيره من الأسباب والوسائل العداية { فليتوكل المؤمنون } [إبراهيم: 11] الموحدون المفوضون أمورهم كلها إلى الله أولا وبالذات، ولا يعتقدون الحول والقوة إلا بالله المستقل في ذاته وأوصافه وأفعاله.
{ و } بعدما آيسوا عنهم وعن صلاحهم اشتغلوا إلى تزكية نفوسهم { ما لنآ } أي: أي عذر عرض لنا { ألا نتوكل على الله } المصلح لأحوالنا، فلم لم نتخذه وكيلنا وكفيلنا؟ { و } الحال أنه سبحانه بمقتضى لطفه وجماله { قد هدانا } وأوضح لنا { سبلنا } التي نسلك بها نحو توحيده وعرفانه، وإن ما جرى علينا من المنافع والمضار إنما هو من عنده وبمقتضى مشيئته وإرادته { و } الله بعدما تحققنا بمقام التوحيد ، وتمكنا في مقر التجريد والتفريد { لنصبرن } على جميع { على مآ آذيتمونا } بالرد والإنكار وغير ذلك من الاستهزاء وسوء الأدب، وكيف لا نصبر؛ إذ الكل بيده سبحانه وبحيطة حضرة قدرته وإرادته، إنما وصل إلينا ابتلاء منه سبحاه إيانا واختبارا { و } بعدما تحقق وبين أن الكل من عنده { على الله } المستقل في جميع التصرفات والأفعال في كل الأمور والأحوال { فليتوكل المتوكلون } [إبراهيم: 12] الموحدون، المفوضون أمورهم كلها إليه؛ لذلك بذلوا مهجهم في طريق التوحيد وإعلاء كلمته.
[14.13-17]
{ و } بالجملة: أدى أمر استكبارهم واستنكارهم وتكذيبهم إلى أن { قال الذين كفروا لرسلهم } حين بالغوا في دعوتهم وإهدائهم { لنخرجنكم } أيها المزورون الملبسون { من أرضنآ } إجلاء وإخراجا على وجه الإهانة والإذلال { أو لتعودن } منصفين ملجئين { في ملتنا } التي هي ملة آبائكم وأسلافكم { فأوحى إليهم ربهم } حين اشتد الأمر إليهم واضطروا من ظلمهم وطغيانهم، قائلا لهم على سبيل الوعد والتبشير: لا تبالوا أيها الرسل المبلغون كلمة الحق إليهم من تهديداتهم وتشنيعاتهم، ولا تخافوا من شوكتهم وصولتهم نحن أقوى منهم { لنهلكن } بمقتضى قهرنا وجلالنا ونستأصلن { الظالمين } [إبراهيم: 13] الخارجين عن ربقة إطاعتكم وانقيادكم.
{ ولنسكننكم } ونقررنكم { الأرض } التي هم يريدون إخراجكم منها مهانين صاغرين { من بعدهم } أي: أهلاكهم واستئصالهم { ذلك } أي: إهلاك العدو وإيراث الأرض والديار { لمن خاف مقامي } أي: للمؤمنين الموعدين الخائفين عن قيامي وحفظي واطلاعي لجميع أحوال عبادي، وبسبب خوفهم هذا لا يخرجون عن متقضى نهيي وأمري { و } مع ذلك الخوف { خاف وعيد } [إبراهيم: 14] أي: عن وعيدي في يوم الجزاء بأنواع العذاب والنكال.
ومن غاية خوفهم ورعبهم عن الوعيدات الأخروية استعدوا لها، وهيأوا أسباب النجاة منها، جعلنا الله ممن هيأ أسباب أخراه في أولاه { و } كيف لا ينصرهم الحق ولا يهلك عدوهم؛ إذ هم { استفتحوا } واستنصروا من الله، وطلبوا الفتح والنصرة على أعدائهم، مفوضين أمورهم كلها، مسلمين نفوسهم وأرواجهم على قضائه؛ لذلك فتح سبحاه عليهم ونصرهم على عدوهم { وخاب } خيبة أبدية وخسر خسرانا سرمديا { كل جبار } متكبر متجبر عكلى ا لله وعلى عباده { عنيد } [إبراهيم: 15] مبالغ في العتو والعناد مع أنبيائه ورسله.
ومع ذلك لا يقتصر عليهم بالعذاب العاجل، بل { من ورآئه } أي: وراء العذاب الدنيوي { جهنم } العبد والخذلان والطرد والحرمان { ويسقى } فيها حين اشتد زفرتهم { من مآء } أي: مائع كالماء { صديد } [إبراهيم: 16] أي: قيح سائل من جراحات أجساد أهل النار.
{ يتجرعه } بتكلف واضطراب { ولا يكاد يسيغه } أي: لا يقارب أن يجري على حلقه؛ للزوجته وحرارته والتصاقه { و } لعدم إساغته وجوازه { يأتيه الموت من كل مكان } أي: يأتيه ويتوجه نحوه أسباب الموت من كل عضو من أعضائه؛ لوصول أثر اشتداده ورداءته وبشاعته كل جزء من أجزاء بدنه حتى أصول شعره، فتقشعر من هوله كما يشاهد عند شرب الأدوية الرديئة الكريهة الرائحة واللذة مثل: السقمونياء والحنظل وغير ذلك { و } مع إتيان أسباب الموت من جميع الأعضاء { ما هو بميت } حتى يخلص من العذاب، بل { ومن ورآئه } أي: عقيب سقيه على هذا الوجه { عذاب غليظ } [إبراهيم: 17] من أنواع العذاب.
[14.18-21]
Неизвестная страница