281

قال: هذا لسان آبائي وأجدادي وكان الملك يتكلم على سبعين لغة، فكلم معه بجميعها، فأجاب جميعها وأحسن فيها، فتعجب الملك منه وقال: أريد أن أسمع تأويل رؤياي منك مشافهة، فحكاه وبين وجوه المناسبات بين التعبيرات والسنوات المجدبة والمخصبة وكيفية الانتقالات والتعبيرات على مقدار فهم الملك وتأويلات السنابل الخضر واليابس على الوجه الذي ألهم وأوحي، فازداد الملك محبة ومودة لذلك { قال إنك اليوم لدينا مكين } ذو مكانة ومرتبة علية ومنزلة رفيعة { أمين } [يوسف: 54] مؤتمن على جميع أمورنا، فلك التصريف في ملكنا كيف تشاء.

وبعدما رأى يوسف عليه السلام ألا محيص له عنه، ولا بد له من ارتكاب أمر من أمور الملك { قال اجعلني على خزآئن الأرض } أي: أرض مصر { إني } بإقامة هذا الأمر { حفيظ } بوجوه محافظة أي جنس من الأجناس { عليم } [يوسف: 55] بطرق تدابيرها والتصرف فيها.

قيلك اتفق وفات قطفير - هو سيد يوسف - في تلك الليالي، وكان هذا المنصب له لذلك طلبه، وتزوج زليخا زوجته التي قد شغفها حبا، فوجدها عذراء وولد يوسف منها أفرايم وميشا.

{ وكذلك } أي: مثل ما سمعت من القصة { مكنا } قدرنا { ليوسف في الأرض } أي: أرض مصر بعدما أدخلناه رقيقا مهانا وصيرناه مسجونا مدة متطاولة ورفعناه مكانته فيها إلى حيث { يتبوأ } أي: يتنعم ويترفه { منها } أي: من نواحيها وبلادها { حيث يشآء } تهوى نفسه ويميل إليها طبعه؛ إذ من سنتنا أنا { نصيب } ونوفي { برحمتنا } التي وسعت كل كل شيء { من نشآء } من خلص عبادنا المجبولين على فطرة توحدينا السالكين سبيل الإنابة والرجوع إلى فضاء فنائنا { و } بالجملة: إنا { لا نضيع } أي: لا نهمل ولا ننقص { أجر المحسنين } [يوسف: 56] الذين يحسنون الأدب مع الله في جميع حالاتهم وشئونهم ولا يغفلون منه طرفة ولا يلتفتون إلى غيره لمحة، ولا يخطرون ببالهم سواء خطرة، هذا حالهم في النشأة الأولى.

{ و } لله { لأجر } النشأة { الآخرة } المعدة لهم فيها { خير } منها بالأضعاف والآلاف { للذين آمنوا } بتوحيد الله عن ظهر القلب وصميم الفؤاد { وكانوا يتقون } [يوسف: 57] عن محارم الله طلبا لمرضاته وقياما بحسن آدابه، رجاء من ثوابه وخوفا من عقابه.

[12.58-62]

{ و } حين استوزر الملك يوسف عليه السلام وأقامه في ضبط الممالك وقيام أمور الناس من التدبيرات المتعلقة بأمور معاشهم من تكثير الغلات والزراعات حتى دخلت السنون المجدبة، وكانت البيونات والمغلات مملوءة بأنواع الحبوبات، ثم لما أحاط الجدب جميع بلاد المصر والشام وعم البلوى في جميع الأماكن والجهات، اضطر الناس إلى أن يلتجئوا إلى باب العزيز؛ ليستغلوا منه ويسدوا رمقهم؛ لذلك { جآء إخوة يوسف } من الكنعان ليستغلوا { فدخلوا عليه } بأجمعهم { فعرفهم } بالفور، وسألهم عن الوطن والمصلحة، فقالوا: نحن أولاد يعقوب جدبنا الآن، واضطررنا إلى أن جئنا نستقوت من جاه العزيز ولا يحصل من الغير مطلقا.

ثم قال هم يوسف: أنتم بأجمعكم أبناء رجل واحد؟ قالوا: نعم إن لأبينا اثني عشر ابنا، عشرة من زوجة وأثنان من زوجة أخرى، ونحن تلك العشرة وواحد من الاثنين، قد هلك في الصحراء، والآخر عند أبينا يؤانس معه ويدفع به وحشة أبنه؛ إذ هو محبوب له مرغوب عنده { وهم } مع طول صحبتهم معه ومجالسته عنده { له منكرون } [يوسف: 58] لا يتفقهون ولا ينتبهون فكيف يعرفونه.

{ ولما جهزهم } الخدام بإذن العزيز { بجهازهم } وهيأوا أرحالهم فأرادوا أن يشدوا، دخلوا على العزيز للتوديع { قال } لهم العزيز: { ائتوني بأخ لكم من أبيكم } ليدل على صدقكم ونجابة أصلكم { ألا ترون أني أوفي الكيل } وأتمه لكم { وأنا خير المنزلين } [يوسف: 59] أحسن ضيافتكم مثل ما أحسنت.

{ فإن لم تأتوني به } أي: بأخيكم بنيامين { فلا كيل لكم عندي } أي: فاعلموا ألا كيل لكم عندي بعد اليوم { ولا تقربون } [يوسف: 60] ولا تدخلوا داري، إذ أنتم حنيئذ قوم كاذبون.

Неизвестная страница