201

ثم قال سحبانه على سبيل التوبيخ لهؤلاء المسرفين الذين ينسبون ما هو خارج عن مدركات عقولهم إلى الجنون: أينسبون جميع ما يخالف عقولهم إلى الجنون ويدعون استقلال العقل في العلوم المتعلقة في الأشياء كلها { أولم ينظروا } ويتدبروا كيف تقصر وتدهش عقولهم { في ملكوت السموت } وكيفية نظمها وقصدها وتربيتها وتطبيقها، وما فيها من كواكبها وبروجها وحركاتها وأدوارها، وانقلاباتها صيفا وشتاء وربيعا وخريفا.

{ والأرض } وما عليها من تلالها ووهادها، وأنهارها وبحارها، ورياضها وأزهارها، وغرائبها وبدائعها المكنونة والمتكونة فيها، بل { و } في جميع { ما خلق الله } وأظهره من كتم العدم إظهارا إبداعيا { من شيء } أي: مما يطلق عليه اسم الشيء، تدهق وتتحير في ظهور فحول العقلاء إلى حيث لم يفهموا كيفية ظهور ذرة صغيرة من ذرائر العالم، فيكف لميتها؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم دعائه:

" الله أرنا الأشياء كما هي "

، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم:

" رب زدني تحيرا ".

هذا في الآفاق الخارجة عنهم { و } أما في أنفسهم فلم ينظروا { أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } المقدر المسمى لهم، وهم لا يفهمونه، وإن اجتمع جميع العقلاء في تعيين أجل شخص واحد، ومع قصور نظرهم وسخافة عقلهم ينسبون الجنون إلى المكاشفين المناظرين بنور الله، المطالعين المشاهدين دائما صفاء وجهه الكريم، وهم الذين انخلعوا عن لوازم البشرية مطلقا، وشقوا جلباب الناسوت رأسا، وخرقوا الحجب المسدولة بالكلية وصاروا ما صاروا، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه، وبعدما سقط العقل عن درجة الاعتبار، واضمحل مدركاته عن الاعتماد فلا تعويل إلا على الوحي والإلهام الملقى من عند العليم العلام { فبأي حديث } من الأحاديث المهمة والموحى به { بعده } أي: بعد نزول القرآن { يؤمنون } [الأعراف: 185] أي: المؤمنون المصدقون بالوحي والإلهام.

وبالجملة: { من يضلل الله } الهادي إلى سبيل الرشاد { فلا هادي له } يرشده فعليك ألا تجتهد يا أكمل الرسل في إهدائهم، ولا تصغي أيضا إلى أباطيلهم؛ إذ أمرهم مفوض إلى الله { و } كيف تجتهد وتسعى في إيمانهم؛ إذ هم قوم { يذرهم } ويتركهم الله باسمه المضل المذل { في طغيانهم } المتجاوز عن الحد { يعمهون } [الأعراف: 186] يترددون وتحيرون إلى أن يأخذهم بما يأخذهم، دعهم وأباطيلهم فيها يترددون وفي سكراتهم يعمهون.

[7.187-188]

{ يسألونك } يا أ:مل الرسل { عن الساعة } التي تخوفهم منها ومن شدة أهوالها وأفزاعها: { أيان مرسها } أي: في أي آن من الآنات وزمان من الأزمنة قيامها ووقوعها حتى نؤمن لها قبل قيامها؟ { قل } يا أكمل الرسل في جوابهم: { إنما علمها } أي: علم قيامها { عند ربي } مما استأثر بها سبحانه لا يطلع عليها أحد؛ بحيث { لا يجليها } أي: لا يظهرها ولا يكشف أمرها { لوقتهآ } الذي عين { إلا هو } إذ هو من الغيوب الخمسة التي خصصها سبحانه لنفسه في قوله:

عنده علم الساعة وينزل الغيث...

Неизвестная страница