فلما تم الكلام وانكشف الغمام قالوا بعدما سمعوا كلامه سبحانه مستكشفين عن ذاته: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ظاهرة، منكشفة ذاته لأبصارنا، كما انكشف كلامه لأسماعنا، فأخذتهم الرجفة؛ بسبب سؤالهم هذا { فلما أخذتهم الرجفة } الصاعة النازلة من قهر الله وغضبه؛ لطلبهم ما ليس في وسعهم واستعدادهم { قال } موسى مشتكيا إلى الله: { رب لو شئت أهلكتهم } أي: لو تعلقت مشيتئك لإهلاكهم لم لم تهلكهم { من قبل } أي: من قبل إسماعهم كلامك؟ { وإياي } أيضا؛ أي: لم لم تهلكني؛ حتى لاتنسب إلي إهلاكهم عند عوام بني إسرائيل وتشأمهم بي من غاية اضطرابه؟ { أتهلكنا } بالصاعقة الشديدة يا رب { بما فعل } أي: بسبب سؤال سائل { السفهآء منآ } صدر عنهم هفوة بلا علم لهم بعظمتك وجلالك وحق قدرك وعزك.
بل { إن هي } أي: هل هي { إلا فتنتك } اختبارك، ابتلاؤك إياهم، بأن أسمعت لهم كلامك فأوقعتهم بهذه الفتنة؛ إذ أنت { تضل بها } أي: بفتنتك { من تشآء } من عبادك، بأن اجترءوا بعد انكشافك عليهم نوع انكشاف إلى انكشاف أعلى منه وأجلى فضلوا وكفوا بلا علم لهم إلى مقتضى استعدادهم { وتهدي } بها { من تشآء } بأن سكتوا عن السؤال مطلقا، وفوضوا أمورهم كلها إليك ولا يسألون عنك ما لم يستأذنوا منك، والكل بيدك { أنت ولينا } ومولي أمورنا، ومولى نعمنا { فاغفر لنا } ما جرى علينا من المعاصي والآثام { وارحمنا } برحمتك الواسعة تفضلا علينا وامتنانا، واعف عنا بفضلك وجودك { وأنت خير الغافرين } [الأعراف: 155] الساترين ذنوب العصاة المسرفين.
[7.156-157]
{ واكتب لنا } يا ربنا { في هذه الدنيا حسنة } لا توقعنا في فتنتك { وفي الآخرة } أيضا حسنة توصلنا إلى رزق توحيدك { إنا } بعدما تحققنا بعلو شأنك وسمو برهانك { هدنآ } أي: تبنا ورجعنا { إليك } من أن نسأل منك ما ليس لنا علم به، سيما بعدما يتعلق بذاتك { قال } سبحانه منفردا برداء العظمة والكبرياء: { عذابي } ونكالي { أصيب به من أشآء } من عصاة عبادي { ورحمتي وسعت كل شيء } من المطيعين والعاصين وغيرهم { فسأكتبها } وأثبتها حتما { للذين يتقون } عن المحارم مطلقا؛ طلبا لمرضاتي { ويؤتون الزكاة } تطهيرا لنفوسهم عن الشح المطاع، الموجب للقسوة والغفلة { والذين هم بآياتنا } أي: بجميعها { يؤمنون } [الأعراف: 156] يوقونون ويمتثلون بمقتضاها.
وهم: { الذين يتبعون الرسول } المرسل بالتوحيد الذاتي { النبي } المتمم لمكارم الأخلاق { الأمي } المتحقق، المخصوص بالعلم اللدني الملقاة له من ربه بلا واسطة كسب وتعيم من معلم، وهو { الذي يجدونه } أي: جميع أهل الكتاب { مكتوبا } في كتبهم بعثته ودينه، واسمه وحليته وجميع أوصافه ثابتا { عندهم في التوراة والإنجيل } بأنه إذا بعث { يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات } التي يحرمونها على نفوسهم { ويحرم عليهم الخبآئث } التي يحللونها.
{ و } أيضا { يضع عنهم إصرهم } أي: ثقلهم الذي يترهبون ويتزهدون فيه فوق طاقتهم كقطع الأعضاء والجوارح التي يخطئون بها، وقطع موضع النجاسة من الثباب وغير ذلك { و } يضع أيضا { الأغلال } أي: التكاليف الشاقة { التي كانت عليهم فالذين آمنوا به } حين ظهوره ودعوته { وعزروه } أي: وقروه حق توقيره وتعظيمة { ونصروه } تقوية لدينه { واتبعوا النور } أي: القرآن { الذي أنزل معه } من عند الله تأييدا له وتصديقا { أولئك } السعداء المقبلون عند الله، الموفقون من عنده باتباعه { هم المفلحون } [الأعراف: 157] المقصرون من عنده على الفلاح والفوز بالنجاح.
[7.158-159]
{ قل } يا أكمل الرسل الهادي للكل، المرسل إلى كافة البرايا: { يأيها الناس } المجبولون على الغفلة، الناسون عهد الله وميثاقه، المحتاجون إلى المرشد الهادي يهديكم إلى طريق الرشاد { إني رسول الله } أرسلني { إليكم جميعا } لأهديكم إلى توحيده الذاتي واعلموا أيها المجبولون على فطرة التوحيد سبحانه، هو العليم القدير { الذي له ملك السموت } وما فيها إيجادا وتصرفا بالاستقلال والاختيار { والأرض } وما عليها كذلك وبالجملة: { لا إله } أي: لا متصرف في الشهود، ولا مالك في الوجود { إلا هو } المتصرف المستقل بالألوهية والوجود { يحيي } ويظهر بلطفه من يشاء من مظاهره { ويميت } بقهره من يشاء، ومتى عرفتم أن الملك كله لله والتصرف بيده { فآمنوا بالله } المتوحد المتفرد بالألوهية { ورسوله } المنزل من عنده؛ ليبين طريق توحيده.
{ النبي } المخبر لأحوال النشأة الأولى والأخرى { الأمي } المكاشف { الذي يؤمن بالله وكلماته } أي: يوقن ويذعن بتوحيد الله، ويصدق بجميع كلماته المفصلة المنزلة من عنده سبحانه من لدن نفسه القدسية بلا مدرس ومرشد، ومعلوم منبه { و } إذا كان شأنه هذا { اتبعوه } أيها الطالبون لطريق الحق، القاصدون نحو توحيده { لعلكم تهتدون } [الأعراف: 158] بمتابعته صلى الله عليه وسلم ما تقصدون إليه من التوحيد الذاتي.
ثم قال سبحانه تنبيها على المؤمنين: { ومن قوم موسى } أي: من بني إسرائيل { أمة } جماعة متقصدة { يهدون } الناس إلى توحيد الحق، ملتبسين { بالحق } الصدق المطابق للواقع؛ لنجابة فطرتهم واستقامة عقيدتهم { وبه يعدلون } [الأعراف: 159] أي: بسبب الحق يقتصدون لا يفرطون، ولا يفرطون في الأحكام أصلآ.
Неизвестная страница