{ واذكروا } أيها المتنعمون نعم الله عليكم، سيما { إذ جعلكم خلفآء من بعد عاد وبوأكم في الأرض } مكنكم ووطنكم وكثركم في الأرض التي هم فيها حال { تتخذون من سهولها } لبنا وآجرا، وتبنون { قصورا } عاليات تسكنون فيها مترفهين { وتنحتون } تشقون بالمعاول { الجبال } المتحجرة { بيوتا } لحفظ أمتعتكم { فاذكروا آلآء الله } المترادفة المتوالية عليكم، وقوموا بشكرها؛ ليزيد عليكم سبحانه ويديم لكم { ولا تعثوا } أي: لا تظهروا { في الأرض مفسدين } [الأعراف: 74] بغرور الأموال والأولاد والأمتعة.
[7.75-79]
ثم لما سمعوا منه ما سمعوا { قال الملأ الذين استكبروا } عن الإيمان والاتباع له { من قومه للذين استضعفوا } غياهم واستذلهم { لمن آمن منهم } على سبيل التهكم والاستهزاء { أتعلمون } يقينا أيها الحمقى المصدقون له المؤمنون { أن صالحا مرسل من ربه } الذي ادعى وحدته واستقلاله في الألوهية والربوبية { قالوا } أي: المؤمنون المخلصون من صفاء عقائدهم ونجاة طينتهم على سبيل التأكيد والمبالغة: { إنا بمآ أرسل } أي: بجميع ما أرسل { به } من عند ربه { مؤمنون } [الأعراف: 75] مصدقون موقنون.
{ قال } الملأ { الذين استكبروا } عنادا ومكابرة: { إنا بالذي آمنتم به } بمتابعة صالح { كافرون } [الأعراف: 76] منكرون مكذبون.
ثم لما كفروا وكذبوا مصرين { فعقروا } أي: نحروا { الناقة } التي هي آية الله عليهم ووديعة الله عندهم، قد أوصاهم سبحانه ألا تمسوها بسوء، وهم قد هلكوها عنادا { وعتوا عن أمر ربهم } استكبارا { وقالوا } لنبيه؛ بطرا واستهزاء: { ياصالح } الكذاب المدعي { ائتنا بما تعدنآ } من العذاب { إن كنت } صدقت أنك { من المرسلين } [الأعراف: 77] فلما فعلوا ما فعلوا وقالوا ما قالوا استحقوا ما وعدوا وأوعدوا.
{ فأخذتهم الرجفة } الصيحة الهائلة { فأصبحوا في دارهم جاثمين } [الأعراف: 78] أي: صار كل منهم جائما جامدا إلى حيث لا يتحرك منهم أحد.
روي أنهم كانوا في منازل عاد يعيشون فيها متنعمين مترفهين إلى أن كثرهم الله وعمرهم أعمارا طوالا، واقتضى طول أملهم أن نحتوا من الجبال بيوتا يخزنون فيها أمتعتهم ويبنون قصورا عاليات في السهول؛ إذ كانوا في خصب وسعة، فقروا على ما هم عليه وأفسدوا في الأرض بأنواع الفسادات، وبالغوا في عبادة الأصنام، فبعث الله إليهم صالحا وهو من أشرافهم فدعاهم إلى الإيمان والتوحيد، فسألوا منه آية فقال: آية آية تريدون؟
قالوا: أخرج معنا إلى عيدنا، فادع إلهك ندعو إلهنا فمن استجيب اتبع، فخرج معهم فدعوا أصنامهم فلم يجابوا، ثم اشار سيدهم جندع بن عمرو إلى صخرة منفردة يقال لها: الكائبة، وقال لصالح: أخرج من هذه الصخرة ناقة جوفاء وبراء، فإن خرجت صدقناك وآمنا بك.
فأخذ صالح عليه السلام عنهم المواثيق إن أخرجت لتؤمنوا له، فعهدوا، فصلى ودعا ربه فمتخضمت الصخرة تمخص النتوج بولدها، فانصدعت عنه ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا وهم ينظرون، ثم أنتجت ولدا مثلها في الكبر، فآمن له جندع في جماعة ومنع الباقين دوار بن عمرو، والخباب صاحب أوثانهم، ورباب بن صمغر كاهنهم، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وترد الماء غبا، فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها، ثم تتفجج فيحلبون ما شاءوا حتى تمتلئ أوانيهم ويدخرون، وكانت تصيف في ظهر الوادي فتهرب منها مواشيهم، وتشتو في بطنه فتهرب أنعامهم إلى ظهره، فشق ذلك عليهم فهموا بقتلها، وزينت لهم قتلها أم غنم وصدقتها بنت المختار، فعقروها واقتسموا لحمها.
فرقى ولدها جبلا اسمه قارة، فرغا ثلاثا، فقال صال عليه السلام: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنك العذاب، فلم يقدروا عليه، وانفتحت الصخرة بعد رغائه فدخلها.
Неизвестная страница