[5.7-9]
{ و } بعدما سمعتم ما سمعتم، ووعدتم من عنده ما وعدتم { اذكروا نعمة الله } التي أنعم بها { عليكم } وقوموا بشكرها { و } تذكروا { ميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم } حين سمعتم قوله: { ألست بربكم } [الأعراف: 172]: { سمعنا } قولك ، أنت ربنا أظهرتنا من العدم { وأطعنا } ما أمرتنا به طوعا { واتقوا الله } من نقض ميثاثه { إن الله } المطلع بالسرائر والخفايا { عليم بذات الصدور } [المائدة: 7] أي: بمكنونات صدروكم يجازيكم على مقتضى علمه وخبرته.
{ يا أيهآ الذين آمنوا كونوا قوامين لله } مستقيمين فيما أمرتم به في طريق توحيده { شهدآء } حضراء مستحضرين { بالقسط } لحقوق آلائه الإلهية، ونعمائه الفائضة لكم من عنده تفضلا وامتنانا { ولا يجرمنكم } أي: لا حملنكم ولا يبعثنكم { شنآن قوم } شدة عداوة قوم وبغضهم { على ألا تعدلوا } ولا تقصطوا فيما أنعم الله عليكم، بأن تجاوزوا عن حدود الله حين القدرة على الانتقام منهم؛ تشفيا لصدوركم، بل عليكم أن تقسطوا في كل الأحوال، سيما عند الاقتدار { اعدلوا } أيها المنعمون بالقدرة والظفر { هو } أي: عدلكم { أقرب للتقوى } عن محارم الله، والاجتناب عن منهياته { واتقوا الله } المراقب لكم في جميع أحوالكم { إن الله خبير بما تعملون } [المائدة: 8] من مقتضيات نفوسكم وتسويلاتها.
{ وعد الله } المدبر لأمور عباده { الذين آمنوا } بتوحيده { وعملوا الصالحات } المقربة نحوه، المأمورة من عنده بأن حصل لهم مغفرة لذنوبهم؛ تفضلا وامتنانا (و) مع ذلك { لهم مغفرة وأجر عظيم } [المائدة: 9] هو الفوز بشرف اللقاء.
[5.10-11]
بعد وعد للمؤمنين ما وعد، أردفه بوعيد الكفارة؛ جريا على عادته المستمرة في دعوة عباده، فقال: { والذين كفروا } بتوحيدنا، وأثبتوا الوجود لغيرها؛ مكابرة وعنادا { وكذبوا بآياتنآ } الدالة على توحيدنا، المنزلة على رسلنا { أولئك } البعداء المشركون { أصحاب الجحيم } [المائدة: 10] مصاحبوها وملازموها، لا نجاة لهم منها أصلا توغلهم وانهماكهم في الكفر والضلال.
{ يا أيهآ الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم } كيف ينجيكم من يد العدو { إذ هم } قصد { قوم } من عدوكم { أن يبسطوا إليكم أيديهم } حين كنتم مشغولين بالصلاة، ويفاجئوكم بغتة، ويستأصلوكم مرة { فكف أيديهم عنكم } بالوحي على نبيكم امتنانا وتفضلا عليكم { واتقوا الله } الرقيب عليكم أن تخالفوا أمره { وعلى الله } في كل الأمور { فليتوكل المؤمنون } [المائدة: 11] الموقنون بوحدانيته وحفظه وحمايته.
[5.12]
ثم لما أراد سبحانه تقرير المؤمنين على الإيمان، وتثبيت قدمهم على جادة التوحيد والفرقان، استشهد عليهم تزلزل بني إسرائيل، وعدم رسوخ قدمهم في الإيمان والإطاعة مع أخذ المواثيق منهم على لسان نبيهم - صلوات الرحمن على نبينا وعليه - فقال: { ولقد أخذ الله } بلسان موسى كليم الله { ميثاق بني إسرآئيل } أي: العهد الوثيق منهم بعدما خلصوا من فرعون، وورثوا منه ما ورثوا، واستقروا على ملك مصر { و } ذلكا أنا { بعثنا منهم اثني عشر نقيبا } من نجبائهم ونخبائهم، من كل فرقة نقيب مسلم، بينهم رئاسة وجاها، وبالجملة: كل من النقباء يولي أمر فرقته عند نبينا موسى عليه السلام.
فعهدوا أن يسيروا مع موسى إلى " أريحا " بالشام حين أوحى إليه، فساروا إلى أن وصلوا، وكان فيها الجبابرة الكنعانيون، فلما رأوا العدو ذوي قوة ، وأولي بأس شديد هابوا منه، وترهبوا، فرجعوا إلى قومهم، فأبخروا لهم ما ظهر عليهم إلا قليلا منهم فنقضوا العهد والميثاق.
Неизвестная страница