Тафсир аль-Багави
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Исследователь
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Издатель
دار طيبة للنشر والتوزيع
Номер издания
الرابعة
Год публикации
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
مُخَيَّرِينَ بَيْنَ أَنْ يَصُومُوا وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرُوا وَيَفْدُوا، خَيَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصَّوْمَ، ثُمَّ نَسَخَ التَّخْيِيرَ وَنَزَلَتِ الْعَزِيمَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ خَاصَّةٌ فِي حق الشيخ ٢٥/ب الْكَبِيرِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ، وَلَكِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ رُخِّصَ لَهُ فِي أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ ثُمَّ نُسِخَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا فِي الْمَرِيضِ الَّذِي بِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَرَضِ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لِلصَّوْمِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾
وَثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ لِلَّذِينِ لَا يُطِيقُونَ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَمَعْنَاهُ: وَعَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُطِيقُونَهُ فِي حَالِ الشَّبَابِ فَعَجَزُوا عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ فَعَلَيْهِمُ الْفِدْيَةُ بَدَلَ الصَّوْمِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِهَا، أَيْ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ، وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ فَهُمْ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ وَلَا يُطِيقُونَهُ، فَلَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَيُطْعِمُوا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَجَعَلَ الْآيَةَ مُحْكَمَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مُضَافًا، وَكَذَلِكَ فِي الْمَائِدَةِ: "كَفَّارَةٌ طَعَامُ" أَضَافَ الْفِدْيَةَ إِلَى الطَّعَامِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى "وَحَبَّ الْحَصِيدِ" (٩-ق) وَقَوْلِهِمْ مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَرَبِيعُ الْأَوَّلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: فِدْيَةٌ وَكَفَّارَةٌ مُنَوَّنَةً، طَعَامُ رُفِعَ وَقَرَأَ مَسَاكِينَ بِالْجَمْعِ هُنَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَالْآخَرُونَ عَلَى التَّوْحِيدِ، فَمَنْ جَمَعَ نَصَبَ النُّونَ وَمَنْ وَحَّدَ خَفَضَ النُّونَ وَنَوَّنَهَا، وَالْفِدْيَةُ: الْجَزَاءُ، وَيَجِبُ أَنْ يُطْعِمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنَ الطَّعَامِ بِمُدِّ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ، وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: عَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ لِكُلِّ يَوْمٍ يُفْطَرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نِصْفُ صَاعٍ مِنَ الْقَمْحِ أَوْ صَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَا كَانَ الْمُفْطِرُ يَتَقَوَّتُهُ يَوْمَهُ الَّذِي أَفْطَرَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُعْطِي كُلَّ مِسْكِينٍ عَشَاءَهُ وَسَحُورَهُ.
﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ أَيْ زَادَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَأَطْعَمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينَيْنِ فَأَكْثَرَ، قَالَهُ مجاهد وعطاء وطاووس، وَقِيلَ: مَنْ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَأَعْطَى صَاعًا وَعَلَيْهِ مُدٌّ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ.
﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ذَهَبَ إِلَى النَّسْخِ قَالَ مَعْنَاهُ الصَّوْمُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْفِدْيَةِ، وَقِيلَ: هَذَا فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ لِمُؤْمِنٍ مُكَلَّفٍ فِي إِفْطَارِ رَمَضَانَ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: أَحَدُهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَالثَّانِي عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَالثَّالِثُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءِ (١) أَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فَالْحَامِلُ
(١) استعمل الكفارة هنا بمعنى الفدية كما جاء في السياق، وإلا فإن الكفارة تجب على من أفسد صومه في رمضان بجماع أثم به بسبب الصوم.
1 / 197