(فصل فيما يحتاج إليه في التفسير من الفرق بين النسخ والتخصيص)
النسخ والمسخ يتقاربان، كذا قال الخليل، إلا أن " المسخ " في نقل الأعيان، والنسخ في نقل الصور، نحو نسخ الكتاب، وهو نقل صورة الكتابة إلى غيره من غير إبطال لرسمه الأول، ونَسَخَ الظَّلُّ الشمْسَ إذا أزَالَها، وحقيقة النسخ: إزالة مثل الحكم الثابت بالشرع بشرع آخر مع التراخي ..
، والفرق بينه وبين التخصيص أن التخصيص قد يكون في الخبر، والنسخ لا يكون فيه، والتخصيص إخراج ما لم يرد بالخطاب من الأعيان والمعاني والأمكنة، والنسخ إخراج ما لم يرد به من الحكم في بعض الأزمنة، والتخصيص في الأكثر مقرون بالمخصوص لفظًا أو تقديرًا، والنسخ لا يكون إلا متأخرًا عن المنسوخ، ومتى اقترن به سمي تخصيصًا، " وكأن النسخ في الحقيقة ضرب " من التخصيص إلا أنهما في المتعارف مختلفان.
وقد تصور عدة ممن صنفوا في النسخ بعض ما هو بيان للمجمل أو تخصيص للعام بصورة لناسخ، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ وقال بعضهم: نُسِخَ ذلك بقوله: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وهذا بيان ما ليس بظلم من أكل مالهم، ونحو قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ قال: فلم تحرم، ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ﴾ - الآية - وهذا أيضًا بيان الأول، وذاك أن ما كان حضرته أكثر من منفعته.
1 / 32