16
عند النظر من خلال عدسة البنى المنطقية التي تناولها الكتاب، يمكن رؤية الحقائق باعتبارها عاملا يصوغ المقدمات المنطقية لحجة ما، أو يوفر معلومات بشأن هذه المقدمات؛ دعما للاستنتاج. ومثلما أن صياغة المقدمات المنطقية تحتاج إلى فهم الموضوع، فإن تحليل تلك المقدمات لتحديد الأخطاء أو نقاط الضعف يتطلب معرفة بمحتواها. (13) فجوة المعلومات
في الفصل التالي، سنتناول دور الخلفية المعرفية في المناقشات المتعلقة بأماكن تدريس مهارات التفكير النقدي وكيفية تدريسها. لكن قبل معالجة هذه المسألة، علينا دراسة سؤال يتخلل نقاشات الخلفية المعرفية في عصر الإنترنت: ماذا يعني الوصول إلى المعلومات في عصر لا يبعد فيه كم هائل من تلك المعلومات عن كثير من الناس سوى بضع لمسات على الهاتف أو نقرات بالفأرة؟
يعد تفاوت الموارد التكنولوجية بين الأغنياء والفقراء، وحتى على مستوى البلدان الغنية والفقيرة، أحد عناصر هذه الفجوة الجديدة في المعلومات، التي هي في حقيقتها فجوة في الوصول إلى المعلومات. وقد يتضمن هذا التفاوت أجهزة مثل الكمبيوتر والهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة. لكن فيما يتعلق بالوصول إلى المعلومات، فلن تفيد هذه الأجهزة ما لم تتصل بالإنترنت، ومن ثم تظهر فجوة تكنولوجية أخرى بالغة الأهمية ينبغي سدها، وهي توفير خدمات الاتصال بالإنترنت بسرعات عالية وخالية من قيود الحكومة.
ومن دون الحد من مسائل التفاوت الآنفة الذكر، فحتى «أثرياء» التكنولوجيا يواجهون مشكلة صعبة؛ وهي: كيفية التنقل في عالم البيانات الدائم التوسع (الكثير من تلك البيانات صحيح وقيم، لكن أكثرها زائف وبعيد عن الموضوع)؛ وذلك من أجل الوصول إلى المعلومات الصحيحة، وتقييم جودتها، واستخدامها استخداما ملائما. (14) الدراية المعلوماتية
نأتي إلى مهارة حديثة أخرى، وهي عنصر تتزايد أهميته في التفكير النقدي، ألا وهي الدراية المعلوماتية. ظهر المجال في سبعينيات القرن العشرين، وشهدت تلك الحقبة نفسها ظهور مجال مماثل وهو الدراية الإعلامية لمساعدة الطلاب وعامة الناس في التعرف على كيفية تقييم المحتوى الذي تقدمه وسائل الإعلام التقليدية، مثل الصحف والراديو والتلفزيون . وخارج نطاق هذه الوسائل الإعلامية ذات الانتشار الواسع، كان المصدر الأساسي للمعلومات خارج المنزل هو المكتبات العامة أو الأكاديمية، مما يفسر سبب ظهور مجال الدراية المعلوماتية من مجال علوم المكتبات.
ظلت المكتبة على مدار التاريخ هي المكان الذي يضم مصادر المعلومات الثمينة والصعبة المنال، مثل مجموعات الكتب والنشرات الدورية والمجلات، وكانت تلك المصادر تجمع وتتاح لفئات معينة؛ مثل طلاب الجامعات أو الجمهور عموما. وحتى مع توفر وسائل الإعلام الجديدة مثل الميكروفيلم وقواعد البيانات على الأقراص المدمجة الصلبة ومصادر المعلومات عبر الإنترنت، ظلت المكتبة هي المكان الذي يضم هذه المصادر القيمة والثمينة، ويستطيع كل من يحمل بطاقة المكتبة الاطلاع عليها.
ولما استمر أمناء المكتبات في دعم مصادر المعلومات التي يزيد تعقيدها وتطورها التقني، فقد أعادوا تشكيل مهنتهم، وتحولوا من جمع الكتب والمخطوطات وحفظها إلى اختصاصيين في المعلومات. والحق أن مجال الدراية المعلوماتية الذي أنشئوه، يوفر إطارا للتعامل مع المعلومات التي نحتاج إليها جميعا اليوم؛ إذ توسعت هذه المصادر توسعا كبيرا، ودخلت إلى الفصول الدراسية والمنازل وأماكن العمل عبر أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المحمولة الموجودة في كل مكان.
وعلى مستوى أعلى، تتمثل الدراية المعلوماتية في «القدرة على تحديد المعلومات اللازمة، وفهم طريقة تنظيم تلك المعلومات، وتحديد أفضل مصادر المعلومات، وإيجاد تلك المصادر وتقييمها تقييما نقديا، ومشاركة تلك المعلومات. إنها معرفة طرق البحث الشائعة الاستخدام».
17
Неизвестная страница