Мышление — исламская обязанность
التفكير فريضة إسلامية
Жанры
ولا غني عن مثل هذا الملاذ في زمن من الأزمنة، ولا في جماعة من الجماعات، ولا سيما الأزمنة التي تبتلى فيها الضمائر الصوفية بالقلق بين الجماعات المضللة عن سوائها، جهلا بحقيقة الدين، أو جمودا على المألوف من بقايا الأقدمين؛ ففي مثل هذه الأزمنة لا يستغني ضمير الإنسان عن ملاذ يعتصم به، ويأوى إليه بين جماعته، وهو عامل فيها، حريص على هدايتها، غير معتزل لشئونها.
ولا حاجة بالمسلم في أمثال هذه الأحوال إلى ابتداع شيء في أصول دينه، فإن أصول دينه الأولى قائمة على حرية الضمير تنهاه أن يستسلم لما يأباه رغبة، أو رهبة، أو مجاراة لعرف الأكثرين، إذا كان الأكثرون لا يعلمون.
وإن أناسا من أبناء العصر الحاضر يحسبون أن الصوفية بقضها وقضيضها تراث قديم مهجور، ولكنهم يعلمون كل يوم - وسيعلمون غدا - أن الإنسان لن يستغني في حياته يوما واحدا عن الصوفية في ناحية من نواحيها؛ لأن رياضة النفس ضرورة لازمة كرياضة الجسد، وأكبر ما يلقاه الناس في العصر الحاضر فإنما هو إفلات زمام الإنسان العصري من يديه، ولا غنى له يوما عن ذلك الزمام، ولا غنى له في سياسة جسده عن بعض الحرمان باختياره، وعن بعض الشدة برضاه. وأحرى أن يكون ذلك شأنه في سياسة النفوس.
والمجتمع الإسلامي أحق المجتمعات بالتصوف ، وأولاه بحرية الضمير التي يسمو إليها الإنسان كلما آثر لنفسه الإيمان بالله على الحب والمعرفة، ولم يقنع بحظ الثواب والعقاب؛ لأن الإسلام يأبى له الرهبانية التي اعتصم بها أناس في العصر القديم، ولا يرضى له بعض المذاهب «الوجودية» في عصر الحاضر.
وقديما كان صاحب الضمير اليقظان يتبرم بمجتمعه فيهجره إلى صومعة الدين، وحديثا تبرم بعض الناس في المغرب بمجتمعاتهم، فاعتصموا بها بمذاهب الوجودية التي يلجأ إليها الفرد كلما اشتد عليه طغيان العرف الاجتماعي، منطلقا من قيوده تارة إلى الإباحة، وتارة إلى عزلة الوجدان، ولكن الإسلام يفتح لضمير الفرد مسلكا واسعا غير الرهبانية وغير الوجودية بما فيها من خير وشر، ويقيم له صومعته في أعماق نفسه ولا حدود لها غير حدود الكون بما وسع من سماوات وأرضين ...
لا جرم وسعت سماحة الإسلام عقائد المتصوفة وهم في رحابه الفسيحة لا يفارقونها، ولا يعتزلون دنياهم حيثما أتوا إليها، ونشأ في عصور الإسلام جمهرة من أقطاب الصوفية المتفكرين والمتريضين لا تضارعها جمهرة من أبناء النحل العالمية في وفرة عددها، ولا في ذخائر حكمتها ...
وعلى كثرة الضحايا من المتصوفة في العالم العربي، لم يذهب أحد منهم ضحية لمذهبه قط بغير استثناء القضيتين المشهورتين اللتين قضي فيهما بالموت على الحلاج والسهروردي، ولم يكن لهما ثالث في مئات السنين منذ نشأ التصوف في الإسلام إلى هذه الأيام. ولعل هاتين القضيتين ما كانتا لتشتهرا هذه الشهرة لولا الغرابة والندرة فيما هو من قبيلهما، ولو صح أن الحلاج والسهروردي من ضحايا الصوفية، وهما في الواقع ضحية الفتنة وضحية السياسة، وعليهما إصر كبير فيما جناه كل منهما على نفسه، بعد اليأس من توبته، واللجاجة في دعواه ...
وعلى الباحث عن العلة الصحيحة في مصير الرجلين أن يذكر أن إحدى القضيتين حدثت في إبان فتنة القرامطة، وأن الأخرى حدثت في إبان الحروب الصليبية، وأن الحلاج والسهروردي قد اختلطا بمعارك السياسة من قريب، واتخذا فيها الأحزاب والأعداء، واقتحما مواقع الشبهة ومواضع الريبة غير متحرجين ولا متراجعين بعد طول الإغضاء عنهما، وتمهيد معاذير التوبة لهما. ولم يتهم أحد بمثل ما اتهما به ولقي من قومه مثل هذه المداراة، ومثل هذا السماح ...
ولا نزيد في قضية الحلاج على رواية أخباره فيما يمس قضيته، ورواية كلامه كما جاء في كتبه وقصائده ...
قال الحافظ أبو بكر أحمد علي الخطيب في تاريخ بغداد: «كان جده مجوسيا اسمه محمى من أهل بيضاء فارس. نشأ الحسين بواسط، وقيل بتستر، وقدم بغداد فخالط الصوفية وصحب من مشيختهم الجنيد بن محمد، وأبا الحسين النوري، وعمرا المكي. والصوفية مختلفون فيه، فأكثرهم نفى الحلاج أن يكون منهم، وأبى أن يعد فيهم، وقبله من متقدميهم أبو العباس بن عطاء البغدادي، ومحمد بن خفيف الشيرازي، وإبراهيم بن محمد النصراباذي النيسابوري، وصححوا له حاله، ودونوا له كلامه، حتى قال ابن خفيف: الحسين بن منصور عالم رباني. ومن نفاه عن الصوفية نسبه إلى الشعبذة في فعله، وإلى الزندقة في عقله. وله إلى الآن أصحاب ينسبون إليه، ويغلون فيه. وكان للحلاج حسن عبارة، وحلاوة منطق، وشعر على طريقة التصوف ...»
Неизвестная страница