Научное мышление и новации современной реальности
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Жанры
يقول هيلاري بوتنام: «ورغم كل الهجوم الذي شنه بوبر على المذهب الاستقرائي، فالشكل الذي يقدمه لا يختلف اختلافا كبيرا. وآية هذا أن النظرية تستلزم تنبؤات؛ أي عبارات أساسية. وإذا كان التنبؤ كاذبا فإن النظرية تكذب. أما إذا كانت هناك تنبؤات عديدة صادقة بدرجة كافية، مع استيفاء شروط إضافية معينة، فإن النظرية يتم تعزيزها بدرجة كبيرة.»
46
ثانيا: المفندون للتجارب الحاسمة (أ) بيير دوهيم
شهد القرن العشرون في فلسفة العلم ظهور مجموعة من الفلاسفة والعلماء أطلق عليهم دعاة المذهب «الأداتي-الاصطلاحي»؛ فقد نظروا إلى القوانين والنظريات والأنساق العلمية بوصفها أدوات أو اصطلاحات للربط بين الظواهر والتنبؤ بها والسيطرة عليها، توصف بالصلاحية أو عدم الصلاحية، وليست تعميمات استقرائية أو قضايا إخبارية ذات محتوى معرفي عن العالم التجريبي لتوصف بالصدق أو الكذب، فتقاس قيمة النظرية العلمية بقدرتها على أداء وظائف العلم، وليس بقدرتها على التعبير عن الواقع بصدق.
47
بمعنى أن القوانين العلمية والنظريات والأنساق العلمية ليست صورة عقلية طبق الأصل من الطبيعة، بل الأمر في مجمله أشبه بصياد رمى بشبكة في بقعة ما من البحر يريد صيدا، فهل ما تخرج به الشبكة يعبر عن حقيقة ما يوجد في أعماق البحر، أم أن ذلك يتوقف على المكان الذي اختاره الصياد للصيد ونوع الشباك واتساع فتحاتها وغير ذلك، ولو تغير أحد هذه الأشياء لتغير لذلك الصيد كما وكيفا؟ وهكذا فمفاهيم وقوانين العلم عندهم كشبكة الصياد؛ أي اصطلاحات متعارف على معانيها بين العلماء. إنها مجرد وسائل مفيدة لفهم الطبيعة، فإذا صادفنا ما هو أفضل منها «وظيفيا» بادرنا بالتخلص منها كأي شيء استهلاكي عادي. بيد أن هذا لا يعني أن قوانين الطبيعة هي قرارات عشوائية يتفق عليها العلماء اليوم ليختلفوا غدا، بل لها بالتأكيد مضمون واقعي.
48
كما أصر الأداتيون-الاصطلاحيون على أنه لا يمكن اعتبار القانون العلمي مشتقا من الاختبارات التجريبية؛ لأن القانون عام والتجربة جزئية، والقانون محدد بدقة والتجربة تقريبية تحتوي على كثير من التعقيدات يستبعدها القانون، والتجربة منتهية والقانون قابل دائما للتطور والتقدم، فكيف تكون النظرية العلمية نتاجا للواقع التجريبي؟! إنها نتاج العقلية العلمية المبدعة، وتكشف عن عمليات منطقية أكثر مما تكشف عن وقائع تجريبية؛ فقد تتكيف النظرية وفقا لمقتضيات التجربة التي لا تمثل أكثر من مرشد؛ فدورها استشاري فقط لتحديد أنسب الفروض العلمية والأكثر ملاءمة؛ أي الأدق في التنبؤ والأوسع في العمومية، من دون الزعم أن القانون حقيقة متمثلة في الواقع التجريبي.
49
وقد جاء بيير دوهيم ليسحب التفسير الأداتي-الاصطلاحي على العلم بأسره، وذلك في كتابه «هدف وبنية النظرية الفيزيائية»، رأى أن النظرية العلمية تمدنا بنظام صوري عام لضم عدد كبير من القوانين الجزئية، وهي بهذا بنية من كيانات مجردة، ليست وصفا ولا تفسيرا لوقائع العالم التجريبي، بل هي مجرد أدوات اصطلحنا عليها للتنبؤ، صيغت لتكون أكفأ وتنبؤاتها أدق. كل ما يبدو وصفا هو مجرد تعيين لعلاقات تجعل التنبؤ أسهل وأدق. أما التفسير فليس له قيمة ولا دور، مهمة العلم تنحصر في تحديد العلاقات بين الظواهر.
Неизвестная страница