Научное мышление и новации современной реальности
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Жанры
من هنا يتضح لنا أن جابر بن حيان كان من المهتمين بالمنهج التجريبي؛ فهو يحتفي بالملاحظة والتجربة، ويدعو إلى تطهير الكيمياء من شوائب الجدل ومظاهر السحر والتعمية، وقد شهد له بهذا بعض المستشرقين المنصفين، فهذا هو المستشرق «هولميارد» يقول: «لقد أسس جابر الكيمياء على الجانب العملي محاولا تفسير ظواهرها بالنظريات الفلسفية المتفق عليها في عصره، وكان بفعله هذا يؤكد العلاقة الوثيقة بين «النظرية» و«التطبيق» وبين «الفرض» و«التجربة الواقعية».»
ثم يستطرد هولميارد فيؤكد بأن جابر بن حيان يستحق لقب مؤسس علم الكيمياء؛ وذلك لاعتماده البالغ على التجريب والتقنية إلى ضرورة الفعل والمران وفي هذا يقول: «إن التأمل غير المفيد والبعد عن الملاحظة أمران لم نشهدهما في عبقرية جابر الذي كان يفضل العمل تاركا مجال الخيال. لقد كانت وجهات نظرة واضحة متقنة، وبسبب أبحاثه الدقيقة الشاملة استحق لقب المؤسس الأول للكيمياء على قواعد راسخة وأسس سليمة.»
54
وقد ساير كثير من العلماء العرب منهج جابر بن حيان في أبحاثهم العلمية، فهذا هو الحسن بن الهيثم (ت420ه/1029م) يعرض في مقدمة كتابه «المناظر» لمراحل المنهج التجريبي فيقول: «ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات، وتميز خواص الجزيئات، ونلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار، وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس، ثم نرتقي في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب، مع انتقاء المقدمات والفحص في النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى، ونتحرى في سائر ما نميزه وننقده، طلب الحق الذي به يثلج الصدر، ونصل بالتدريج والتلطف إلى الغاية التي عندها يقع اليقين، ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف، وتنسجم بها مواد الشبهات .»
55
من هذا النص يتضح لنا أن ابن الهيثم ينصح الباحث أو العالم بملاحظة الظواهر الجزئية وتحديد صفاتها ثم يندرج في بحثه مع التمحيص والحذر من الوقوع في الخطأ حتى يبلغ اليقين.
ولم يكتف ابن الهيثم بهذا بل يرى أنه لا بد للعالم من مزاولة التجربة العلمية على أساس أنها مكملة للملاحظة الحسية وهو يسمي التجربة بالاعتبار «وقد قام هو نفسه في كتابه المناظر بالكثير من التجارب التي مكنته من التوصل إلى كشوفه العلمية. فمن ذلك أنه توصل إلى تحليل العلاقة بين الهواء الجوي وكثافته وأبان عن أثرها في أوزان الأجسام، ودرس بقوانين رياضية فعل الضوء في المرايا الكرية وأثناء مروره في العدسات الزجاجية الحارقة، ولاحظ شكل الشمس الذي يشبه صورة نصف القمر أثناء الخسوف مستخدما جدارا يقوم أمام ثقب صغير في مصارع نافذة فكان هذا أول ما عرف من الغرفة المظلمة التي تستخدم في كل صنوف التصوير الشمس».
56
وفي هذا يقول الدكتور «مصطفى نظيف»: «إن ابن الهيثم قد استطاع أن يعرف أن امتداد الأضواء على سمت الخطوط المستقيمة يؤدي رأسا إلى أن الضوء المشرق من جسم مبصر، إذا نفذ من ثقب ضيق في حاجز، واستقبل على حاجز أبيض من خلفه، تكونت على هذا الحاجز صورة منكوسة الجسم، ويمكن الحصول عليها عن طريق جهاز يسمى في كتب الضوء الابتدائية بالخزانة المظلمة ذات الثقب.
ثم يستطرد فيقول: «وهو بهذا قلب الأوضاع القديمة وأبطل علم الناظر اليوناني وإنشاء علم الضوء بالمعنى والحدود التي نريدها اليوم».
Неизвестная страница