Научное мышление и новации современной реальности
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Жанры
وأعتقد أن هؤلاء المستشرقين الذين ذكرهم «روزنتال» لهم بعض العذر في زعمهم بأن علماء العرب لم يأبهوا بالملاحظة والتجربة في أبحاثهم العلمية، خاصة وأنهم يؤمنون بوجود تقارب بين العلم العربي وتراث اليونانيين؛ إذ إن الأسماء اليونانية، مثل أرسطو وأبقراط وجالينوس، كانت تتردد في المؤلفات العلمية العربية، كما أن الإطار الفكري لهذه المؤلفات كان يحتفظ بقدر غير قليل من مفهوم العلم عند اليونانيين؛ إذ نجد عند فلاسفة العرب نظرة متدرجة إلى العلوم، تعلي من قدر العلم النظري البحت، وتقلل من شأن العلم التطبيقي، وتجعل مكانة أي علم مرتبطة بمكانة الموضوع الذي يبحث فيه. ولكن كتابات الفلاسفة كانت تسير في طريق وممارسة العلماء كانت تسير في طريق آخر مختلف كل الاختلاف؛ إذ إن الاهتمام بالعلم التجريبي وباستخدام البحث العلمي من أجل فهم قوانين الطبيعة المحيطة بنا، كان هو الهدف الرئيسي من أعمال علماء مشهورين مثل جابر بن حيان في الكيمياء، والحسن بن الهيثم في البصريات (علم الضوء)، والبيروني في الفلك والرياضيات، والرازي وابن سيناء وابن النفيس في الطب.
50
والشواهد على ذلك كثيرة، نقتطف منها ما يلي:
كان «جابر بن حيان» (ت198ه/813م) الذي قيل إنه يحتل من علماء الكيمياء مكان أرسطو من علم المنطق، يقول في المقالة الأولى من كتاب الخواص الكبير: «ويجب أن نذكر في هذه الكتب خواص ما رأيناه فقط - دون ما سمعناه أو قيل لنا وقرأناه - بعد أن امتحناه وجربناه، فما صح عندنا بالملاحظة الحسية أوردناه، وما بطل رفضناه، وما استخرجناه نحن أيضا قايسناه على أقوال هؤلاء القوم.»
51
ومعنى هذا أن الملاحظة الحسية وحدها هي وسيلة لكسب الحقائق، ومصدر المعرفة الصحيحة، وأن شهادة الغير مرفوضة ما لم تؤيدها مشاهدات الباحث.
ولم يكتف جابر بهذا، بل يرى أن أول واجب على الكيميائي، هو أن يعمل ويجري التجارب، وفي هذا يقول: «من كان دربا، كان عالما حقا، ومن لم يكن دربا، لم يكن عالما، وحسبك بالدربة في جميع الصنائع، أن الصانع الدرب يحذق وغير الدرب يعطل».
52
وقد كان جابر يقول أيضا: «وملاك كمال هذه الصنعة العمل بالتجربة؛ فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبدا.»
53
Неизвестная страница