اللغة العامية:
ولعلها أكبر عامل يغرنا ويغوينا، فنتوهم الخطأ صحيحا والغلط صوابا. وهي إما خليط من الفصيح المصحف والمحرف وبعض الألفاظ المرتجلة كما في داخل بلاد العرب وغيرها من الأصقاع التي لم يختلط أهلها بالجاليات الأوربية، وإما وشيج من هذه ومن جانب كبير من الكلمات الدخيلة المعربة عن اللغات الأجنبية التي تدفقت على مصر، وسورية، وبلاد المغرب، محمولة إلينا على ألسنة الأجانب أنفسهم أو منقولة في ما ينشر بيننا من كتبهم وصحفهم ومجلاتهم، أو في ما يرد علينا من مصنوعاتهم، أو في ما ينشأ لهم عندنا من المدارس والمصانع والشركات وغيرها من وسائل النشر. فاندست في لهجاتنا العامية متشابكة متداخلة بما لا مزيد عليه من الاندماج والالتحام. وقد شاعت هذه اللهجات المختلطة كل الشيوع بين جميع الناطقين بالضاد، فتراهم يولدون في أحضانها ويترعرعون في أكنافها ويرضعونها مع اللبن ويتناولونها مع طعامهم وشرابهم، ويشبون على سماعها من الآباء والأمهات وذوي القربى وجميع الذين يعاشرونهم من الأتراب والأصحاب، ويقضون سني الطفولة وما بعدها لا يطرق آذانهم غيرها ولا تنطلق ألسنتهم بسواها. وبلغ من شدة تمكنها منهم أنها توشك أن تكون الآلة الوضعية الوحيدة للتخاطب والتفاهم. وهي في فلسطين، وسورية، والعراق، والحجاز، واليمن، ونجد، والسودان، والمغرب، وغيرها من الأقطار العربية، حشو آذان السامعين وملء ألسنة المتكلمين. حتى أنك لتجدنها شاغلة أذهان الخطباء والكتاب ومتحفزة كل حين للجري على أقلام هؤلاء وفي ألسنة أولئك، لولا أنهم يتداركون أمرهم قبل الخطابة والكتابة ويتعهدون خزائن أذهانهم بنزع ما يعلق فيها من الكلام العامي، مستبدلين بها كلمات صحيحة وتراكيب فصيحة يتكلفون استخدامها لتأدية المعاني التي يرومون التعبير عنها في خطبهم وكتبهم. ومع شدة توقيهم للغة العامية واحترازهم من تربصها بهم وتغفلها لهم، لا تأمن ألسنتهم العثار بألفاظها ولا تسلم أقلامهم من الخبط في تعابيرها. ولذلك ترى الخطيب أو الكاتب يحيد من وقت إلى آخر - على حين غفلة - عن جادة اللغة الفصحى، مدفوعا بقوة العودة إلى الأصل، ويستعمل كلمات وتعابير يظنها صحيحة لكثرة ورودها في لسانه وعلى سمعه، مع أنه لا صحة لها على الإطلاق. فهي متمكنة منا كل التمكن منذ الصغر، وراسخة في ألواح أذهاننا رسوخ النقش في الحجر. ورسوخها هذا من أكبر الأسباب التي تصعب علينا تحصيل اللغة الفصحى في المدارس. حتى أن كثيرين منا يخيل إليهم وهم يتعلمونها أنهم يتعلمون لغة أجنبية، بل قد يجدها بعضنا أبعد تناولا وأصعب تحصيلا من إحدى اللغات الأجنبية. ومما يجب الانتباه له في الكلام على اللغة العامية، أنها أمضى سلاح يستخدمه خوارج الأدب الذين سيأتي ذكرهم في مناوأة اللغة الفصحى ومحاربة الذين يتطوعون للدفاع عنها.
ثانيا:
كثرة السماعي
1
في اللغة:
وهذا السماعي الغالب في عامي الصرف والاشتقاق عاثور كبير في طريق الكتاب، قل من يأمن منهم السقوط فيه، وهو يكثر على الخصوص في الأبواب الآتية: (1)
مزايدات الأفعال:
فإن لها في الفعل الثلاثي اثني عشر وزنا، وفي الرباعي ثلاثة أوزان. وجميع هذه الأوزان تبنى عليها الأفعال لأغراض خاصة تستفاد منها. ولكن ليس بين الأفعال المجردة الثلاثية والرباعية ما نراه مبنيا على مزيداته كلها. والأغراض التي تستفاد من هذه الزيادات ليست مما يطرد ويصح أن يقاس عليه في كل فعل يبنى منها. فإذا أخذنا مجردا ثلاثيا أو رباعيا أيا كان، وسألنا ما أوزان المزيدات التي يبنى عليها؟ وما الأغراض المستفادة من بنائه عليها؟ لم يستطيع أحد أن يجيب عن سؤال كهذا بطريق القياس والاستبدال. والمنتجع الوحيد للجواب إنما هو معاجم اللغة؛ لأن أكثر أبنية المزيدات سماعية لا يقاس عليها. (2)
باب الإلحاق :
Неизвестная страница