تصوره مع موافقته لمتصوره. وإذا تصور لنا معنى ثم أردنا تحصيله كان تصوره لنا نفس إرادتنا له ، لكنا بعد ذلك نريد تحصيله (1). والجمهور غافلون عن ذلك ، والمشهور عندهم أن القادر هو من إذا شاء فعل ، وإذا لم يشأ لم يفعل ، لا من يريد فيفعل أو لا يريد فلا يفعل دائما. فإن هاهنا أشياء مقرا بها ، صحتها أن الخالق لا يريده قط ولا يفعله ، وهو مع ذلك قادر على فعله ، مثل الظلم. فإذن الشرط فى القدرة قضية شرطية ، وهو أنه إذا شاء فعله وإذا لم يشأ لم يفعل. والشرطية لا يتعلق بصحتها أن يكون جزءاها صادقين ، فإنه يصح أن يكون جزءاها كاذبين. ومثال هذا لو كان الإنسان طيارا لكان يتحرك فى الهواء وهذه القضية صحيحة مع كذب مقدمها وتاليها. ويصح أيضا أن يكون المقدم كاذبا والتالى صادقا مع صحة القضية ، كما يقال : لو كان الإنسان طيارا لكان حيوانا. فإذن ليس يلزم من قولنا إن شاء فعل أنه يشاء حتى تصح هذه القضية : وهو إن شاء فعل ، ولم تصح بهذه القضية القدرة وإن خلت عن الاستثناء. وحق أنه لو كان جائزا أن يشاء والقدرة لا محالة تتعلق بالمشيئة إلا أن مشيئة الأول تستحيل أن تكون بالإمكان ، إذ ليس هناك دواع مختلفة ولا قسر ولا قهر ، بل هناك وجوب فقط ، فهو يفعل إذا شاء. وأما المشيئة فينا فبالإمكان. والقدرة فينا هى القوة ، والقوة ما لم يرجح أحد الطرفين لم يكن أولى من الطرف الآخر. ولا بد فى قدرتنا من وارد علينا من خارج ، ويكون ذلك الوارد هو المعين للفعل. ويكون بالتقدير من الله ، فيكون ذلك التقدير يسوق ذلك المعنى. والوارد علينا من خارج هو كالدواعى والإرادة من القسر وغيره. ولا تخلو قدرتنا من إمكان فتكون أفعالنا كلها بتقدير ، وتكون أفعالنا كلها بالخير. فإنه ما لم يرجح قوتنا وارد من خارج ولم يصح الفعل ويكون بتقدير الله فإن التقدير من الله هو يسوق ذلك المعين والمخصص. وصدور الأشياء عن ذاته لغرض فهو رضاه لأنها تصدر (2) عنه ثم ترضى بصدورها عنه. والقدرة فيه يستحيل أن تكون بالإمكان ، فهو إذا فعل فقد شاء ، وإذا لم يفعل فإنه لم يشأ ليتم الفعل والقدرة.
** الحكمة :
بالحقيقة هو الأول. والحكمة عند الحكماء تقع على العلم التام. والعلم التام فى باب التصورات أن يكون التصور بالحد ، وفى باب التصديق أن يعلم الشىء بأسبابه إن كان له سبب. فأما ما لا سبب له فإنه يتصور بذاته ويعرف بذاته ، كواجب الوجود : فإنه
Страница 20