البارى يعقل نظام الخير فى الكل فيتبع ما يعقله من ذلك نظام الخير ، ولأن ذاته خير تتبع ما تعقله من ذاته خيرية ذاته ، وخيرية ذاته هذا المعنى ، وذاته لا تشرف بذلك بل ذلك يشرف بذاته ، وذاته عقل محض وخير محض. فسبب نظام الخير فى الموجودات خيرية ذاته ، وليس يتبعه اتباع الضوء للمضيء لأن الضوء ليس هو معقول المضيء.
المعقول العقلى هو البسيط ، والنفسانى هو الذي فيه الانتقال من شيء إلى شيء ، أى من المقدمات إلى النتيجة.
الإضافة العقلية إليها ليست إضافة كيف وجدت ، أى إضافة البارى إلى هذه المعقولات إضافة مخصصة معقولة ، لا إضافة المادة إلى الصورة أى القابل أو وجود الصورة فى المادة بل الإضافة إليها وهى معقولة لا من حيث هى موجودة لأنه يعقلها من ذاته لا من خارج. ويعقل من ذاته أنه مبدأ لها. فإن كان يعقلها من حيث هى موجودة يكون إما أن لا يعقل ذاته ويكون يدرك الشيء عند وجوده أو لا يكون مبدأ له. وهذا محال فإنه يعقل ذاته وإدراكه لها من حيث من شأنها أن يفيض عنها كل وجود. وهذا الإدراك للذات يوجب إدراك الأمر اللازم لذاته ، وهو صدور المعقولات عنه.
إضافة البارى إلى هذه المعقولات إضافة فاعل لها قابل ، لأن وجودها من علمه بها فهو (43 ب) يعقلها من ذاته ثم يتبع وجودها عقليته لها ، وهى إضافة الفاعل للشيء ولو كان يتبع عقليته لها وجودها كانت الإضافة إضافة قابل لأنها تحصل فيه من خارج. إضافته إليها إضافة المبدأ لها ، وهى أنها فائضة عنه لا أنها فيه ، فيكون إضافة قابل كإضافة المادة إلى الصورة.
لا يستنكر أن تكون أشياء محصورة موضوعة لاعتبارات مختلفة ويعتبر فيها نسب غير متناهية ، وهذه الصور كلها لا شك أنها محصورة للأول موجودة له فإنه يعقلها من ذاته والنسب التي بينها وإن كانت فى نفسها غير متناهية فإنه يعلمها متناهية. فإن الصور موجودة له وتكون النسب التي بينها لا محالة موجودة. فهو يعلم جميع الأشياء وجميع نسبها وأحوالها : فالأشياء الغير المتناهية يعلمها متناهية.
عندهم أن الغير المتناهى لا يحيط به علم وأن الأول يخفى عليه بعض حركات أهل الجنة. وحل ذلك أنه يعلم الأشياء الغير متناهية ، وذلك أن الجواهر والأعراض هى متناهية لكن النسب التي بينها غير متناهية أى بين الجواهر والجواهر؛ وبين الجواهر والأعراض ، وبين الأعراض والأعراض. وهذه المناسبات يمكن أن نعتبرها نحن غير متناهية. فأما عنده فهى متناهية إذ قد يصح أن توجد الجواهر والأعراض المتناهية فى الأعيان.
Страница 125