قال الثعلبي: جلهاس بن جلاس، وكان حسن السيرة فيهم عاملا عليهم وجعلوا وزيره سينحاريب بن سوادة فأقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا، وكانت البئر تسقي المدينة كلها وباديتها وجميع ما فيها من الدواب والغنم والبقر وغير ذلك؛ لأنها كانت لها بكرات كثيرة منصوبة عليها، ورجال كثيرون موكلون بها وأبازن (بالنون) من رخام وهي شبه الحياض كثيرة تملأ للناس، وأخر للدواب وأخر للبقر وأخر للغنم، والقوام يسقون عليها بالليل والنهار يتداولون، ولم يكن لهم ماء غيرها، وطال عمر الملك الذي أمروه، فلما جاءه الموت طلي بدهن لتبقى صورته لا تتغير، وكذلك كانوا يفعلون إذا مات منهم الميت، وكان ممن يكرم عليهم فلما مات شق ذلك عليهم، ورأوا أن أمرهم فسد، وضجوا جميعا بالبكاء، واغتنمها الشيطان منهم فدخل في جثة الملك بعد موته بأيام كثيرة فكلمهم، وقال: إني لم أمت، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم، ففرحوا أشد الفرح، وأمر خاصته أن يضربوا له حجابا بينه وبينهم، ويكلمهم من ورائه لئلا يعرف الموت في صورته، فنصبوا صنم ا من وراء الحجاب لا يأكل ولا يشرب، وأخبرهم أنه لا يموت أبدا، وأنه إلههم فذلك كله يتكلم به الشيطان على لسانه، فصدق كثير منهم وارتاب بعضهم وكان المؤمن المكذب منهم أقل من المصدق له، وكلما تكلم ناصح لهم زجر وقهر، فأصفقوا على عبادته، فبعث الله إليهم نبيا كان الوحي ينزل عليه في النوم دون اليقظة كان اسمه حنظلة بن صفوان، فأعلمهم أن الصورة صنم لا روح له، وأن الشيطان قد أضلهم، وأن الله لا يتمثل بالخلق، وأن الملك لا يجوز أن يكون شريكا لله، ووعظهم ونصحهم وحذرهم سطوة ربهم ونقمته فآذوه وعادوه وهو يتعهدهم بالموعظة ولا يغبهم بالنصيحة حتى قتلوه في السوق وطرحوه في بئر، فعند ذلك أصابتهم النقمة فباتوا شباعا رواء من الماء، وأصبحوا والبئر قد غار ماؤها، وتعطل رشاؤها، فصاحوا بأجمعهم وضج النساء والولدان، وضجت البهائم عطشا حتى عمهم الموت وشملهم الهلاك، وخلفتهم في أرضهم السباع وفي منازلهم الثعالب والضباع، وتبدلت جناتهم وأموالهم بالسدر وشوك العضاة والقتاد، فلا يسمع فيها إلا عزيف الجن وزئير الأسد، نعوذ بالله من سطواته، ومن الإصرار على
Страница 9