. ولا شك في أن استعمال كلمتي الارتفاع والانخفاض هو استعمال مجازي بحت؛ إذ ليست بين الأصوات علاقة مكانية من هذا النوع، وإنما المقصود بالصوت الرفيع، هو ذلك الصوت الذي تزداد سرعة ذبذباته، أما الصوت المنخفض أو العريض، فهو الذي يزداد بطء ذبذباته. والصوت الموسيقي عامة يتميز بانتظام ذبذباته وثباتها، ولكن بين الصوت الواحد والصوت الذي يليه - ارتفاعا أو انخفاضا - عدد كبير من الذبذبات، ومعنى ذلك أن الأصوات الموسيقية تتوالى بحيث تقف الأذن في مراكز معينة بين عدد كبير من الذبذبات التي تتدرج ببطء لا تميزه الأذن من تلقاء ذاتها. ومن مجموع هذه المراكز المعينة التي تقف عندها الأذن يتكون ما يسمى بالسلم الموسيقي.
ومن الواضح أن هذا السلم يختلف من نظام لحني إلى آخر؛ فهو في الموسيقى الغربية غيره في الشرقية، غيره في الموسيقى البدائية. وإذا بدا للناس أحيانا أنهم لا يستسيغون من الألحان إلا ما صيغ في السلم المألوف لديهم، واعتقدوا بعدئذ أن ما عداها من الألحان غير مقبول للأذن البشرية «بوجه عام» فما ذلك إلا بتأثير التعود، الذي يكيف حساسيتهم الفنية تبعا للنظام الصوتي الشائع لديهم. وفي اللحن تتوالى الأصوات ارتفاعا وانخفاضا، وتكون للمؤلف الموسيقي حرية التنقل بها كما يشاء، غير أن هذه الحرية ليست مطلقة، بل تقيدها بضعة قيود، منها مثلا أن الصوت الذي يمثل قاعدة السلم أو قراره
Tonic
هو أهم الأصوات، وهو الذي يرتد إليه اللحن في آخر الأمر، حتى تحس الأذن عندئذ بأن اللحن قد انتهى نهايته الطبيعية.
فإذا انتقلنا إلى التوافق الصوتي
Harmony ، وجدنا أن هذا العنصر غير المعروف في موسيقانا الشرقية، يحتل أهمية تتزايد على الدوام. والمتتبع لتيار الموسيقى الغربية يجد أنها بينما كانت تولي أكبر اهتمامها للحن في القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر، فإن اهتمامها قد تحول تدريجيا إلى التوافق الصوتي، حتى إن كثيرا من مؤلفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لم يعبئوا بأن تكون موسيقاهم لحنية، وكان العنصر الأساسي لديهم هو التوافق الصوتي - والمثل الواضح في هذا الصدد هو موسيقى ديبوسي
Debussy .
وأساس التوافق الصوتي هو إيجاد الانسجام بين صوتين أو أكثر في وقت واحد، بينما اللحن أصوات منسجمة متعاقبة. ومع ذلك، فدراسة التوافق الصوتي لا تكتفي بالعلاقات بين مجموعة الأصوات التي تعزف في آن واحد فحسب، بل لا بد أن تعنى بالعلاقات بين هذه المجموعات ذاتها بعضها وبعض، وتنظم طرق الانتقال من الواحدة إلى الأخرى؛ حتى لا ينتهي اللحن مثلا بتوافق صوتي يبعث إحساسا بالتوقع والانتظار، وإنما يمهد مثل هذا التوافق السابق لتوافق آخر يبعث إحساسا بالاكتفاء والراحة. ومع ذلك، فجميع القواعد التي تتحكم في التوافق قابلة للتغير؛ إذ يضيف إليها التطور الموسيقي إضافات جديدة على الدوام، بل يسعى في بعض الأحيان إلى هدم نظم التوافق القديمة من أساسها.
أما الصورة أو القالب
Form ، فهي بدورها عنصر لا تعرفه الموسيقى الشرقية؛ إذ إنها تنظم العلاقات بين الأجزاء اللحنية في العمل الفني الطويل، وتضمن الوحدة بين أجزاء القطعة كلها. وهذه كلها مشاكل لا تحتاج الموسيقى الشرقية إلى مواجهتها! ومشاكل القالب الموسيقي عظيمة التعقيد، لا يمكننا في هذا المجال أن نشير إليها بالتفصيل. وحسبنا أن نقول: إن القطع الموسيقية الطويلة يمكن أن تميز فيها موضوعات لحنية رئيسية
Неизвестная страница