Еда в древнем мире
الطعام في العالم القديم
Жанры
أذكر شخصا نهما كان مجردا من كل مشاعر الخجل أمام رفاقه - مهما حدث - حتى إنه كان يعود يده على السخونة وهو في الحمامات العمومية بغمرها في الماء الساخن، وكان يتغرغر بالماء الساخن حتى لا يجفل من الطعام الساخن؛ إذ كانوا يقولون إنه نجح فعلا في إقناع الطهاة بتقديم الأطباق وهي ساخنة جدا، وكان هدفه من ذلك أن يلتهم كل شيء وحده، طالما أنه لم يكن بوسع أحد سواه أن يحذو حذوه.
وهذه هي الحكاية المقصودة بها العبرة التي يستخدمها الفيلسوف أو المعلم الأخلاقي لتوضيح مخاطر الإسراف أو السلوك المنحرف اجتماعيا؛ فالرجل الذي يفرط في التمتع بطعامه معرض لخطر ارتكاب الجريمة الاجتماعية القصوى، وهي تناول الطعام وحده.
ويندرج هذا المثال في نموذج الفكر الذي وردت مناقشته في الفصل السابع؛ فقد استخدم الكثير من الأجناس الأدبية مثل تلك الحكايات. والمؤلفون الذين يجمعون مجموعات من المواد المتنوعة ويقتبسون منها - مثل أثينايوس وأولوس جيليوس وإيليان - يمثلون حالة لافتة للغاية؛ ويعود الفضل إلى هؤلاء في معرفتنا لمؤلفين مثل ماكون الذي ألف كتاب «الحكايات»، وهو سلسلة من الحكايات التي تتحدث عن الأشخاص النهمين والمحظيات. كان ماكون أيضا يكتب المسرحيات الكوميدية، وهو جنس أدبي يهتم هو الآخر بذلك الموضوع، وأكثر سلسلة من الحكايات ذات صلة بهذا الموضوع تتناول عازف هارب يدعى ستراتونيكوس («مأدبة الحكماء»: راجع جيلولا 2000). وساعدته مهنته على دخول عدد من جلسات الشراب، وبات جديرا بأن يتذكره القارئ بفضل تعليقاته الطريفة، وساعدت رحلات العمل التي قام بها في أنحاء البحر المتوسط على إضفاء التنوع على الحكايات. وفي بيلا (مقدونيا) أهان عازفا منافسا وأفرط في احتساء الخمور حتى سكر؛ وفي أبديرة أخذ يروي طرفات عن المحار، وفي بنطس توجه إلى القصر الملكي، وفي كورنث أخرجت امرأة ريحا في جلسة شراب. وبالإضافة إلى القيمة الأخلاقية والترفيهية لهذه الحكايات، فإنها تقدم مشاهد اجتماعية سريعة ربما تنطوي على قيمة بصفتها أدلة، وهي تظهر أيضا - مثل قصيدة أركستراتوس - وجود اهتمام بالمكان. وفي هذه يؤدي التنوع من حيث المكان إلى توضيح السمات المحلية، وبعضها معروف (العاهرات في كورنث مثلا)، والبعض الآخر غير مألوف (أجواء بيلا تساعد على إظهار الحالات المرضية التي تصيب الطحال). ومع أن حكايات ماكون عن ستراتونيكوس تضفي وجهة نظر قائمة على التصوير المحلي على التعليقات الذكية، فإن حكاياته الشهوانية عن المحظيات يقع معظمها في أثينا، ولكنها تطلق العنان للظرف الأنثوي في المأدبة وفي جلسة الشراب («مأدبة الحكماء»).
وكثيرا ما يدرج كتاب السيرة حكايات تناول الطعام واحتساء الخمور بهدف إظهار سمات شخصية من يكتبون سيرتهم. ويقدم كتاب «حياة أغسطس» من تأليف سيوتونيوس، وكتاب «كاتو الأكبر» من تأليف بلوتارخ، مثالين لافتين في هذا الصدد؛ ففي نهاية كتاب «حياة أغسطس»، يكتب سيوتونيوس ملاحظات لافتة عن الإمبراطور في ملخص عن عادات تناول الطعام، يسرد فيه كيف كان أغسطس يمتلك أثاثا لغرف الطعام أقل فخامة من الكثير من الأفراد العاديين، وكان يقيم مآدب غاية في الرسمية، تراعى فيها الفوارق الطبقية بكل دقة، وكثيرا ما كان غير حاضر في بداية أو نهاية تلك المناسبات. وكانت مآدبه تقدم ما يتراوح بين ثلاثة وستة أصناف من الطعام، وكان مضيفا كريما يجيد مساعدة ضيوفه في التصرف بأريحية ودون تكليف. ومع أن هذه المآدب كانت رسمية، كانت تتخللها فقرات ترفيهية يؤديها عازفون وممثلون ولاعبو سيرك. وكان الإمبراطور أغسطس يدبر مقالب للناس في المآدب المقامة في المناسبات الاحتفالية، بما فيها عيد ساتورناليا. وفي غير المناسبات العامة، كان يقتصد في طعامه ويفضل «طعام البسطاء، لا سيما الخبز الخشن والأسماك الصغيرة والجبن الطازج المصنوع يدويا والتين الأخضر من القطفة الثانية» (ترجمه إلى الإنجليزية: جريفز). وفي الأوقات التي يكون فيها على انفراد، كان يأكل بأسلوب خال من الرسميات وبلا تكليف؛ إذ كان يتناول طعاما بسيطا عبارة عن كمية قليلة من العنب مع الخبز في المحفة التي يجلس عليها؛ أو بضع لقيمات من الخبز في منتجع المياه المعدنية بعد أن يكون قد أمضى النهار دون أن يأكل شيئا.
يحفل وصف الشخصية بالتفاصيل الدقيقة، وهذا من أساليب كتابة السير الذاتية الناجحة للغاية؛ إذ يجمع المؤلف الأدلة من المذكرات التي كتبها أغسطس ومن رسائله؛ ما قد يضفي مصداقية على الوصف. ولكن الأهمية الأساسية للدراسة التي بين أيدينا تكمن في الافتراضات الضمنية التي يفترضها المؤلف؛ ومن ثم، فمن المتوقع أن يكون لدى الإمبراطور أثاث فاخر، شأنه في ذلك شأن غيره من الملوك. وتتوافق مراعاة التسلسل الهرمي مع الأدلة الأخرى المتعلقة بالمآدب الرومانية، وهو أمر متوقع. وفيما يخص غياب المضيف عن جزء من المأدبة، هل يشير هذا إلى كونه مضيفا سيئا؛ الأمر الذي يتناقض مع حرصه على تسلية ضيوفه ومؤانستهم بأسلوب اجتماعي لائق؟ فهل هذا تصرف سوي؟ بالطبع، يغيب تريمالكيو عن ضيوفه؛ فهل من المتوقع ألا يكون لدى قائد دولة وقت يمضيه في مآدب رسمية تستمر لوقت طويل يوميا؟ إذن هل ثمة مزيج من الالتزام بالرسميات - المتمثل في مراعاة التسلسل الهرمي الاجتماعي - وعناصر التحرر من الرسميات، المقصود بها أن محور التركيز في المأدبة لم يكن الإمبراطور بصفة مستمرة؟ القارئ الروماني في القرن الأول الميلادي هو من كان في مقدوره الإجابة عن تلك الأسئلة على نحو أفضل منا. وأخيرا، أغسطس الذي يميل إلى الاقتصاد في طعامه. يقدم لنا سيوتونيوس معلومات مفيدة عن النظام الغذائي الذي يتبعه البسطاء (قارن ذلك بما ورد في الفصول الثاني والرابع والخامس). ويشير أيضا إلى أن أغسطس كان راضيا بذلك النظام الغذائي، وهو ما يأتي على النقيض من المآدب الرسمية المكونة من ستة أصناف من الطعام، وساعده ذلك على اتباع أيديولوجية البساطة التابعة للجمهورية، وهي الأيديولوجية التي كان يسعى للترويج لها عن طريق الكثير من وسائل الدعاية والقوانين. ويعتبر الإفصاح عن عادات تناول الطعام البسيطة لدى الحاكم في غير المناسبات العامة من نقاط القوة التي تحسب لكاتب السيرة عند رسمه للشمائل الحقيقية لمن يكتب عنه. ومن السمات المتكررة أيضا في كتابة السيرة إظهار اهتمام الحاكم بالأنشطة المرتبطة بعامة الناس، وذلك بسبب الهوة الشاسعة التي تفصل بين الشخص العادي والقصر الملكي؛ ومن ثم، لم يكن نيرون هو الإمبراطور الوحيد الذي كان يحب الخروج وهو متنكر ليلا وقضاء الوقت في الحانات، قبل أن يتجه إلى ارتكاب حوادث الطعن والسرقة (كتاب «نيرون» من تأليف سيوتونيوس 26).
يستخدم بلوتارخ ملاحظاته عن تنظيم الطعام بطريقة أكثر تكاملا في كتابه «كاتو الأكبر». وكاتو هو الرمز العظيم للجمهورية في عصره وفي العصور اللاحقة، كما رأينا في الفصل السابع. يخبرنا بلوتارخ أن (4) «قدراته على التعبير كانت بكل بساطة نموذجا يحتذى به لدى الشباب، وهو نموذج كان معظمهم يبذلون قصارى جهدهم للوصول إليه. ولكن الرجل الذي كان يتبع عادة موروثة وهي زراعة أرضه بنفسه، والذي كان يرضى بإفطار بارد وبعشاء بسيط وبأبسط الملابس وبالسكن في كوخ متواضع، والذي كان يرى حقا أنه من الأفضل التخلي عن وسائل الترف والكماليات بدلا من السعي وراءها؛ مثل ذلك الشخص كان لافتا في تفرده.» ويرى بلوتارخ أن تفاصيل الحياة اليومية في هذه السيرة تحظى بنفس القدر من الأهمية الذي تحظى به الخطب العظيمة التي ألقاها كاتو من حيث ما تقدمه من صورة للرجل. لكاتو عادات غير مألوفة، مثل شرب الماء فقط وعدم الشكوى من الطعام الذي يطهوه جندي المراسلة أثناء خروجه في حملة حربية (1)، والعمل مع عبيده وتناول الطعام معهم (3)، ومشاركة عبيده في احتساء نفس نوعية النبيذ الفاخر الذي كان يحتسيه بوصفه كان بريتورا وقنصلا (4). ولزوجته عادات غير مألوفة أيضا؛ إذ كانت أحيانا ما ترضع أطفال العبيد لضمان ولائهم للأسرة (20). وحتى بلوتارخ - الذي يعجبه موقف كاتو من الترف - يرى أن كاتو شخصية مخيفة؛ إذ كان يبيع العبيد المتقدمين في السن، وكأنهم دواب منهكة، في موقف لا ينم فقط عن الخسة بل أيضا عن القسوة وانعدام القدرة على تقدير الأواصر التي تجمع الإنسان بأخيه الإنسان (5). يقدم بلوتارخ وصفا باهرا يجمع فيه بين القرن الثاني قبل الميلاد وعصره هو (القرن الثاني الميلادي) ومعتقداته الفلسفية؛ فمن ناحية ما، يندهش القارئ مثله مثل فاليريوس فلاكوس - وهو جار غني من جيران كاتو - حين يكتشف بعد أن دعاه على العشاء أن كاتو ضيف دمث وظريف، ولا يحتاج إلا لشيء من الدعم والتوجيه فيما يخص القيم المتحضرة (3). (فيما يتعلق باستعمال بلوتارخ للحكايات عموما، راجع داف 1999.)
يعتمد استعمال الحكايات في معظمه على القواعد الأخلاقية، وهي القواعد التي يفترض المؤلف أن القارئ يؤمن بها أيضا؛ فالتذكير بأن النهم صفة سيئة يصبح نابضا بالحياة وجليا في حالة إدراج واقعة صغيرة أو طرفة. ويبدو أن عمل جالينوس الذي استعنا به بكثرة في هذا الكتاب - وهو بحث «عن قوى الأطعمة» - يميزه استخدام مختلف للحكايات. ويستخدم جالينوس الحكايات في أعمال أخرى لتقديم دراسات حالة، هي أشبه بصيغ مطولة من الحالات المذكورة في عمل أبقراط «الأوبئة». كما يستخدم الحكايات في أعماله الجدلية ليكشف عن تفوقه في التشخيص والعلاج بالمقارنة مع منافسيه (وذلك في كتاب «عن التكهن بسير المرض»). ولكننا رأينا الكثير من الأمثلة عن لقاءات مع الريفيين، أو روايات تحكي أنهم كانوا يضطرون لأكل خنازيرهم، ثم ثمار البلوط المخصصة لتكون طعاما للخنازير؛ وتساعد هذه الحكايات في توسيع نطاق معارفه وتمنحه استحقاقا قويا ليكون مصدرا موثوقا منه. وقد زار الإسكندرية وروما، ويقدم أمثلة من هاتين المدينتين الكبيرتين، ولقد برهن على أن لديه معرفة جغرافية واسعة للغاية، أضاف إليها قدرا كبيرا من المعرفة الاجتماعية، مستقيا الأدلة التي بنى عليها مبادئه العامة من الحالات التي شهدها في مقاطعته المحلية ميسيا. ساعدت تلك الحالات في توضيح أهمية طريقة التحضير (هل هذا خبز مصنوع من القمح أم دقيق مصنوع من القمح المسلوق؟) وأهمية صفات كل مريض في حد ذاته. (8) «مأدبة الحكماء» لأثينايوس
ينتهي هذا الكتاب بعمل لا يتبع بالتأكيد جنسا أدبيا بعينه، وهو «مأدبة الحكماء» لأثينايوس. إنه عمل عجيب يصعب تناوله، ومع ذلك يكثر الاقتباس منه في كل الكتب التي تتحدث عن الطعام في العصور القديمة. ولا بد من تقديم وصف موجز للهدف من هذا العمل ونقاط القوة فيه.
إن مادة الكتاب منظمة بحيث تتبع ترتيب مراحل المأدبة، وبنيته الكلية عبارة عن جلسة شراب - تحاكي ما جاء في كتاب «حوار المأدبة» من تأليف أفلاطون - ولكن البنية أحيانا ما تبدو فوضوية بعض الشيء، فتجد حينا دردشة أثناء تناول طعام المأدبة، ثم تجد حينا آخر قائمة من العناصر (تكون أحيانا مرتبة ترتيبا أبجديا، وأحيانا لا). وكان من الصعب للغاية على الكثير من القراء فهم هذ النسق، ومن أهم أسباب ذلك وجود اقتباسات طويلة من النصوص، دون دمجها بالكامل في سياق الحديث؛ ولذلك، يرى الكثيرون أن كتاب أثينايوس هو ذخيرة من الاقتباسات التي انتحل عدد كبير منها واستخدمت في هذا الكتاب.
بداية، علينا أن نتحقق من أن أثينايوس ورفاقه من العلماء يجلبون الثقافة الإغريقية إلى روما (راجع العبارة المقتبسة في بداية هذا الفصل). ففي مقابل سلسلة من المآدب التي يقيمها المضيف لارنسيس يقتبس حاضرو المأدبة - وبعضهم من الرومان والبعض الآخر من الإغريق - أعمالا متخصصة وأدبية ذات صلة بتلك المرحلة من المأدبة؛ وبهذا المعنى يكون أثينايوس مؤلفا إغريقيا يمثل عصره.
Неизвестная страница