Еда в древнем мире
الطعام في العالم القديم
Жанры
وغالبا ما يأتي موسم إقامة الولائم عقب الصوم، فعيد الفصح يأتي عقب الصوم الكبير، وعيد الفطر يأتي عقب شهر رمضان. وربما لم يتبق من عيد الميلاد (الكريسماس) إلا نذر يسير يربطه بميلاد المسيح، ولكن هذا هو العذر الذي يبرر الإفراط في الطعام واحتساء الخمور على مدى ثلاثة أسابيع في عدد كبير من البلدان الغنية، ومن الصعب ألا نفترض أن الأمور كانت دائما على هذا المنوال.
الفصل الثالث
الطعام والدين في العصور القديمة
إذا سألنا عن علاقة الدين بالطعام في العصر القديم، نجد أن الإجابة لها ثلاثة جوانب؛ فأولا: كانت الأعياد الدينية تشكل الهيكل العام لدى الجماعة، وكانت الأعياد أيضا تميز مراحل دورة حياة الفرد، وذلك بالولائم التي تقام بمناسبة الميلاد والاندماج في المجتمع والزواج والوفاة. وظلت المناسبات المهمة الوافدة من البلدان المتأثرة بالحضارتين الإغريقية والرومانية باقية (باركر 1996، بيركرت 1985، ميكالسون 1975، نورث وبرايس وبيرد 1998: 60-77). وكان الكثير من الأعياد وكذلك الشعائر ذات النطاق الأصغر يتطلب (من بين أمور أخرى) تقديم الحيوانات أو غيرها من الأطعمة كقرابين إلى الآلهة، وكان عدد من تلك الآلهة مسئولا عن ازدهار قطعان الماشية ومواسم الحصاد أو فشلها. وفي تلك الأعياد، كان الناس كثيرا ما يأكلون مع الآلهة، ويتمتعون بمأدبة مميزة. ثانيا: كانت الأعياد الدينية ترتبط بالسلطة والهياكل الاجتماعية للمجتمع، وكانت تعزز من النظام الاجتماعي. ثالثا: كان تناول الطعام في إطار ديني غالبا ما ينظر إليه على أنه من العادات «المتوارثة التقليدية». وأحيانا كانت مثل تلك الطقوس القديمة تتطلب تفسيرا ؛ مما أدى إلى نشوء فرع من الأدب كان يتميز بتقديم إجابات على أسئلة قد يطرحها قارئ ما، وسنرى أمثلة على ذلك في أعمال أوفيد وبلوتارخ. ولم تؤد الجذور الدينية في الماضي إلى استبعاد الآلهة الجديدة والشعائر الجديدة لمواكبة التغير الذي يطرأ على مر الزمن.
وأستهل هذا الفصل الذي يدور عن البلدان المطلة على البحر المتوسط في العصر الحديث بمشهد يوضح كيف ينظم المجتمع نفسه بناء على الإشارات الدينية، التي كان من المرجح أن تكتسب أهمية أكبر في بلدان العالم القديم.
في يوم أحد حار من أيام شهر أغسطس لعام 2003، التقى نحو ثلاثين أو أربعين مواطنا من مواطني كريت لتناول الغداء في تجمعات أسرية، وكانوا قد اختاروا موقعا للنزهات الخلوية في مكان ظليل وتكسوه الأشجار في ممر القديس أنطونيوس الباتسوسي، في وادي أماري، وأحضروا فحما للشواء وكمية كبيرة من اللحم، ووضعوا زجاجات النبيذ البارد في جدول الماء للحفاظ على برودتها، وأعدوا أطباق السلاطة وغيرها من الأطباق الأخرى. وكانت مناسبة تسودها أجواء الود بصحبة أفراد الأسرة والأصدقاء في عطلة نهاية الأسبوع بعد عيد انتقال السيدة العذراء، وهو من الأعياد الأرثوذكسية التي تركز على الأسرة والحياة المنزلية. وكثرت الزيارات إلى المزار الصغير المخصص للقديس أنطونيوس، وهو مزار منحوت في كهف في جدار الممر. وكانت هناك عند مدخل المزار عكاكيز وجهاز للمساعدة على المشي وغيرها من قرابين الشكر معلقة على جدار المزار لتعلن عن حالات الشفاء التي لعب القديس دورا كبيرا فيها. وعند التقدم نحو الداخل قليلا، كان هناك إفريز صخري يحمل شموعا ونذورا - كانت من زيت الزيتون فيما يبدو - موضوعة في زجاجات فانتا وكوكاكولا، وخلف الإفريز كان هناك المزار نفسه الذي يحتوي على هيكل وبخور وأيقونات دينية.
وكانت هذه البقعة المقدسة تضم في العصور السابقة على المسيحية مقر أتباع الإله هيرميس كرانايوس - ربما هيرميس راعي النبع - الذي ما زال مصدر المياه الموجودة هناك يحمل اسمه. وعثر على نذور مقدمة لهيرميس وكتابة منقوشة تذكر اسم الإله، ويعود تاريخ النذور إلى عام 2000 قبل الميلاد، أما الكتابات المنقوشة فيعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي.
كان ثمة مطعم صغير على الطراز اليوناني بجوار الطريق المؤدي إلى الممر يقدم الغداء بهامش ربح قليل، وكان يتوجه إليه غير المشاركين في النزهة الخلوية. وكان يستخدم للطهي موقدان صغيران يعملان بالغاز المضغوط المعبأ في أنبوب غاز، وكانت الموائد مصفوفة خارج المطعم في ظل أشجار الجوز، وكان الطلب مرتفعا حتى إن النادلات (اللاتي كن أيضا طاهيات مساعدات) كن يعجزن عن تلبية كل الطلبات التي تطلب منهن؛ ومن ثم، كان معظم الموائد تخدمه نادلة بعينها، وكان ثمة رجل يجلس على مائدة أخرى - ربما يكون صاحب المطعم - وكان يدخل إلى المطبخ ويقلي قطعا من ضلوع لحم الخنزير على مواقد الغاز الصغيرة.
من الممكن استخلاص عدة نقاط من مشهد الغداء هذا؛ النقطة الأولى هي استمرار تلك العبادة عند هذا النبع النفيس؛ ففي جزيرة ذات طقس حار - إذ ترتفع درجات الحرارة في أغسطس إلى ما يزيد عن أربعين درجة مئوية - يصبح الماء عملة نادرة يزداد الطلب عليها. ويرتوي البشر والنباتات على حد سواء من النبع، الذي يوفر ماء الشرب وتقوم عليه الزراعة وربما يقدم خواص علاجية. كان من المعتقد أن آلهة مثل بان وهيرميس والحوريات وغيرها تحمي مصدر المياه عند كل الينابيع في كل أنحاء اليونان، وكان السكان يسترضونها ويتوسلون إليها؛ فكانوا يقدمون النذور تعبيرا عن الشكر على النعم التي حلت عليهم، وأملا في الحصول على نعم في المستقبل. وكان تقديم قرابين من الزيت أو العسل أو كعكات الشعير واردا مثل تقديم قرابين من الحيوانات. ومن الممكن أن تكون المأدبة التي يعدونها خفيفة وسهلة النقل، كما هي الحال في النزهة الخلوية في العصر الحديث. ومن الوارد أن يحضر المشاركون في النزهة الخلوية طعاما ساخنا وبعض الأثاث الخفيف، ومن الوارد أنها كانت مناسبة مميزة على الرغم من إقامتها وسط المناظر الطبيعية، وعلى الرغم من بعدها عن المنزل. وربما كان يشترك الحاضرون في هدف واحد، أو ربما كان للتجمع أكثر من هدف. ثم إن اللقاء كان خصوصيا وغير هادف للربح التجاري. وكان المطعم الصغير يضفي على المناسبة طابعا تجاريا ، ولكن هذه الحالة أيضا كانت تجمع بين الأنشطة التجارية والشخصية، وذلك في رأيي.
من الممكن أن يفسر المراقب المعاصر هذه المآدب من عدة نواح، وعادة ما يكون من بين العناصر المهمة - فيما يبدو - صلة القرابة والتماثل والتقاليد المرتبطة بالعيد، والمزار الواقع وسط المناظر الطبيعية. وكان الطعام متوافرا مقابل المال أو مجانا، وكان تناول الطعام من الأمور المبهجة لحاسة التذوق وللآكلين بصفتهم كائنات اجتماعية. وقد ركزت على تناول الطعام على المستوى الإنساني، ولا شك أن «الدين» في العالم الحديث والقديم قد أضفى على الآلهة والقوى العلوية قدرات قائمة على العناصر وأمدها بأساطير تفسيرية ومطالبات بأن يتوجه إليها أتباعها من البشر بالعبادة والاحترام. والقديس أنطونيوس الباستوسي مثال حديث لإحدى العبادات المحلية في مكان ناء من جزيرة يونانية؛ ففي العصور القديمة كانت تنتشر الآلاف من تلك العبادات في أنحاء بلدان البحر المتوسط، وكان للكثير منها تقاليد وأساطير معينة، وفي تلك الأماكن - وفي الأماكن المقدسة الكبرى في أوليمبيا وإلفسينا ودلفي - كان الإغريق والرومان يقدسون آلهتهم ويحاولون الحصول على دعمها للزراعة أو لحماية حياة أفراد المجتمع أو لنشاط معين. وفي الكثير من الحالات، كانت العبادة تتضمن تقديم قرابين تراق دماؤها أو قرابين أخرى، من بينها إقامة مأدبة يتناولها المتعبدون مع الإله. ومن المفترض أن نتخيل وجود هيكل يستخدم لتقديم القرابين ومبان (أو مساحة لتشييد مبان مؤقتة) لتناول الطعام بعد تقديم القربان، وذلك بجوار معظم المعابد (ما زالت أطلال رئيسة لأماكن دينية ظاهرة حتى اليوم).
Неизвестная страница