وكان مما جاء في هذا الخطاب الخالد قوله:
ليست الوحدات في المجتمع الهندي إقليمية كما هو شأنها في الدول الأوروبية، فالهند قارة تضم إليها مجموعات بشرية ترجع إلى أجناس مختلفة وتتكلم لغات متباينة وتؤمن بأديان غير متقاربة، وإن المبدأ الذي تعتنقه أوروبا الديمقراطية لا يمكن تطبيقه بحال على الهند دون أن يسبقه اعتراف بوجود المجموعات الطائفية، وعلى هذا فمطالبة المسلمين بتأسيس هند إسلامية داخل الهند مطلب له ما يبرره تماما ... وبودي أن أرى البنجاب وإقليم الحدود الشمالية الغربية والسند وبلوجستان وقد توحدت وأصبحت دولة واحدة.
ويبدو لي أنه ليس أمام المسلمين سوى هدف أخير واحد، هو تكوين حكومة ذاتية لهم إما داخل الإمبراطورية البريطانية وإما خارجها، وتكوين دولة إسلامية هندية تقع في شمال غربي الهند. وهذا الرأي يجب ألا يخيف الهندوس أو البريطانيين، فالهند إنما هي أكبر دولة إسلامية في العالم، وحياة الإسلام كعامل ثقافي حضاري في هذه الدولة إنما ينهض على تركيزه في حدود معينة فقط، وفي رأيي أن تركيز هذا العدد الهائل من المسلمين في الهند، ومنهم جنود الجيش ورجال البوليس الذين جعلوا الحكم البريطاني في هذه الدولة سهلا ممكنا، برغم المعاملة غير العادلة التي يلقونها من البريطانيين. أقول إن هذا التركيز إنما هو الحل لمشكلة الهند بل لمشكلة آسيا أيضا، وهذا الحل من شأنه أن يزيد من مسئولياتهم وأن يرهف من شعورهم الوطني. وإذا ما أتيح لهذه الدولة المسلمة الجديدة أن تقوم فإنها ستكون المدافع الأكبر عن الهند ضد أي هجوم أجنبي عليها، سواء أكان هذا الهجوم هجوم مبادئ أم هجوم حراب ...
وأنا لهذا أطالب بتكوين دولة إسلامية موحدة ... وقيامها هذا سيكون في صالح الهند كما هو في صالح الإسلام ... سيكون قيام هذه الدولة الجديدة في صالح الهند لأنها ستعنى بإقرار السلام والطمأنينة نتيجة لتوازن القوى في الداخل، وستكون كذلك في صالح الإسلام لأنها ستعمل على محو الطابع الاستعماري الغربي الذي أجبرت على أن تطبع به، ولأنها ستتيح للقوانين الإسلامية أن تسود، وللتعليم والثقافة أن يعملا جنبا إلى جنب، وفي تعاون، لإظهار الروح الإسلامية الصحيحة وإمكان تطبيقها في هذا العصر الحديث.
ويرى بعض المفكرين في هذا الذي نادى به إقبال عام 1930 نبوءة عن تأسيس دولة الباكستان، كما يرون أنه المؤسس الروحي لهذه الدولة.
وكان جناح في هذه الأيام في لندن ولكنهم طلبوا منه العودة ليتسلم زمام المسلمين، فلما عاد ألف فرعا للرابطة الإسلامية في داخل الجمعية التشريعية.
وكانت الرابطة قد أصابها وهن سرعان ما تغلب جناح عليه ورد فيها الحياة. وفي أبريل 1936 عقدت الرابطة دورتها في بومباي، وفيها تقرر دخول المسلمين الانتخابات الإقليمية، كما تألف فيها مجلس برلماني مركزي. وفي الاجتماع السنوي الذي تلا هذا الاجتماع، وكان في لكنو، وضع جناح برنامجه الإنشائي، وفيه تقرر عدم قصر عضوية الحزب على القلة المتعلمة، بل السماح لملايين المسلمين بالانضمام إليه.
وكان عسيرا على الهيئة الجديدة الاشتراك في هذه الانتخابات، خاصة وأن المسلمين يقلون بكثير جدا عن الهنود. وبرغم أن اجتماع حزب الرابطة لم يسفر عن نجاح مشهود في هذا السبيل فإنه كان فرصة للمسلمين لكي يعبروا عن مشاعرهم في المجالس التشريعية.
وعندما اشتد ساعد حزب المؤتمر، الذي يمثل الأغلبية الهندية، في الأقاليم بدأ المسلمون يشعرون بما أصاب مصالحهم بل وثقافتهم من ظلم، الأمر الذي أدى إلى إيقاظ الوعي القومي فيهم.
وابتدأ حزب الرابطة يقوى وأصبح برنامجه ثوريا يهدف إلى التغيير والتعديل، وبعد أن كان يحاول الحصول على حكومة مسئولة أصبح يهدف إلى الاستقلال المطلق، كما أعلن عن عزمه على إلغاء نظام الملكية. •••
Неизвестная страница