والثاني: أنّ الاشتراكَ هُنا لا يَتَحَقَّقُ؛ لأنَّ الكلامَ والكلامةَ من حقيقةٍ واحدةٍ، ولكنَّ الكلامَ مجموع شيئين فصاعدًا، اللّفظةُ المفردةُ ولا اشتراكَ بَينهما، وإنما الكلامُ مُستفادُ بالأوصافِ والاجتماعِ، وليس كذلك المشتركُ بلْ كلُّ من ألفاظه كالأخرى في كونِها مفردَةً. وأمّا الجنس فغيرُ موجودٍ هُنا؛ لأنَّ الجنسَ يفرَّق بين واحدة وبينه بتاء التَّأنيث نحو: تَمرةٍ وتَمْرٍ، وهذا غيرُ موجودٍ في الكلامِ والكلمةِ بل جنس الكلمةِ كَلِمُ وليس واحدُ الكلامِ كلامةُ، فبانَ أنَّه ليس بجنسٍ.
وأما السؤال الثالث: فخارجُ عمّا نَحنُ فيه، وبيانه: أنَّ اشتقاقَ الكلمةِ من الكَلْم، وهو التَّأثير، والكلامُ تأثيرُ مخصوصً، لا مطلقُ التأثير، والخاصُّ غيرُ المُطلق، يَدُلُّ عليه أنَّ الكَلْمَ الذي هو الجَرْحُ مؤثرُ في النَّفس معنى تامًّا وهو الأَلَمُ مثلًا، والكلامُ أشبَه بذلك؛ ولأنَّه يؤثِّرُ تأثيرًا تامًّا، وأمَّا الكلمةُ المفردةُ فتأثيرها قاصرُ، لا يتمُّ منه معنى إلاّ بانضمامِ تأثيرٍ آخرَ إليه، فهما مشتركان في أصلِ التأثير، لا في مِقداره.
وأمَّا المُعارضةُ بقوله تعالى: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ فلا تتوجهُ؛ لأنَّ أكثرَ ما فيه أنَّه عَبَّرَ بالجُزء عن الكلِّ، وهذا مَجازُ ظاهرُ؛ إذ كان الواحدُ ليس بجمعٍ ولا جنسٍ، بل يعبَّر به عن الجَمعِ والجِنسِ مَجازًا ووجهُ المَجَاز أن الجُملةَ يتألَّفُ بعضُ أجزائِها إلى بعضٍ، كما تَتَأَلَّف حروفُ الكلمةِ المفردةِ بعضُها إلى بعضٍ، فلمّا اشتركا في ذلك جازَ المَجَازُ، وليس كذلك التَّعبيرُ عن الكلمةِ؛ لأنَّ ذلك نقضُ معناها، ودليلُ المجازِ في الكلمةِ ظاهرُ، وهو قوله: ﴿تَخْرُجُ من أَفْواهِهِمْ إنْ يَقُوْلُونَ إلاّ كَذِبًا﴾
1 / 119