الثَّانِي: ذِكْرُ مَا تَضَمَّنَهُ التَّقْلِيدُ مِنْ رِوَايَةِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ وَالْجِبَايَةِ لِيَعْلَمَ عَلَى أَيِّ نَظَرٍ عُقِدَتْ لَهُ، فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَسَدَتْ. الثَّالِثُ: ذِكْرُ الْبَلَدِ الَّذِي عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ الْقَاضِي يُوَلِّيهِ الْإِمَامُ]
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي مُقَدَّمَةِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى " تَعْلِيقَةُ الْخِلَافِ " فِي الْقَاضِي يُوَلِّيهِ الْإِمَامُ الْقَضَاءَ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكِيًّا أَوْ شَافِعِيًّا أَوْ حَنَفِيًّا أَوْ حَنْبَلِيًّا فَيَقُولُ لَهُ: قَدْ وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ لَا تَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ مَالِكٍ مَثَلًا، وَسَوَاءٌ وَافَقَ مَذْهَبَ السُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ أَوْ لَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عُمُومًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، سَوَاءٌ قَارَنَ الشَّرْطُ عَقْدَ الْوِلَايَةِ أَوْ تَقَدَّمَهُ، ثُمَّ وَقَعَ الْعَقْدُ.
وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ تَصِحُّ الْوِلَايَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، دَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالْحَقِّ عِنْدَهُ، وَهَذَا الشَّرْطُ قَدْ حَجَرَهُ عَلَيْهِ، وَاقْتَضَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ إمَامِهِ وَإِنْ بَانَ لَهُ الْحَقُّ فِي سِوَاهُ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ خَاصًّا فِي حُكْمٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يَخْلُو الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَلَّيْتُك عَلَى أَنْ تَقِيدَ مِنْ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَمِنْ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَصَّ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ وَمَا يُشَاكِلُ هَذَا فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ، فَإِنْ كَانَ نَهْيًا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ الْحُكْمِ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ، وَلَا يَقْضِي فِيهِ بِوُجُوبِ قَوَدٍ وَلَا بِإِسْقَاطِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ بِوِلَايَتِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ نَظَرِهِ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يَنْهَاهُ عَنْ الْحُكْمِ فِيهِ وَيَنْهَاهُ عَنْ الْقَضَاءِ فِي الْقِصَاصِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَخْرُجُ الْمُسْتَثْنَى عَنْ وِلَايَتِهِ فَلَا يَحْكُمُ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ يَقُولُ: تَثْبُتُ وِلَايَتُهُ عُمُومًا وَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا نَهَاهُ عَنْهُ بِمُقْتَضَى اجْتِهَادِهِ، كُلُّ هَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا فِي الْوِلَايَةِ، فَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَقَالَ: قَدْ وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ فَاحْكُمْ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَا تَحْكُمْ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْوِلَايَةُ صَحِيحَةٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَسَوَاءٌ تَضَمَّنَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، وَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ سَوَاءٌ وَافَقَ شَرْطَهُ أَوْ خَالَفَهُ، فَأَمَّا لَوْ ذَكَّرَهُ بِالْأَمْرِ فَقَالَ: قَدْ وَلَّيْتُك لِتَحْكُمَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ مَثَلًا.
فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوِلَايَةَ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ
1 / 24