الْعُلَمَاءُ، فَهُرُوبُ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَنْ الْقَضَاءِ وَاجِبٌ وَطَلَبُهُ سَلَامَةَ نَفْسِهِ أَمْرٌ لَازِمٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ الْقَضَاءِ وَالْحِرْصَ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ فِي عَرَصَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَتَكُونُ حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَ الْفَاطِمَةُ» فَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَأَرَادَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهِ وُكِلَ إلَيْهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَلَاكُ وَمَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَامْتُحِنَ بِهِ وَهُوَ كَارِهٌ لَهُ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِلَ إلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَلَا اسْتَعَانَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ» .
وَقَالَ ﷺ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ تُؤْتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ تُعَنْ عَلَيْهَا وَإِنْ تُؤْتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ تُوكَلْ إلَيْهَا» وَقَدْ اسْتَثْنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا يَأْتِي ذِكْرُهَا.
أَمَّا تَحْصِيلُ الْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ تَلَامِذَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: مَنْ تَقَبَّلَ الْقَضَاءَ بِقَبَالَةٍ وَأُعْطِيَ عَلَيْهِ رِشْوَةً فَوِلَايَتُهُ بَاطِلَةٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ بِحَقٍّ، قَالَ وَإِنْ أَعْطَى رِشْوَةً عَلَى عَزْلِ قَاضٍ لِيُوَلَّى مَكَانَهُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ أَعْطَاهَا عَلَى عَزْلِهِ دُونَ وِلَايَةٍ فَعُزِلَ الْأَوَّلُ بِرِشْوَةٍ ثُمَّ اسْتَقْضَى هُوَ مَكَانَهُ بِغَيْرِ رِشْوَةٍ نُظِرَ فِي الْمَعْزُولِ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَإِعْطَاءُ الرِّشْوَةِ عَلَى عَزْلِهِ حَرَامٌ وَالْمَعْزُولُ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ عَزَلَهُ قَدْ تَابَ بِرَدِّ الرِّشْوَةِ قَبْلَ عَزْلِهِ، وَقَضَاءُ الْمُسْتَخْلَفِ أَيْضًا بَاطِلٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْلَفُ أَيْضًا قَدْ تَابَ قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَيَصِحُّ قَضَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْزُولُ جَائِرًا لَمْ يَبْطُلْ قَضَاءُ الْمُسْتَخْلَفِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ أَبُو الْعَبَّاسُ قُلْت هَذَا تَخْرِيجٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ انْتَهَى.
قَالَ أَصْحَابُنَا. فَيَجِبُ أَنْ لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ مَنْ أَرَادَهُ وَطَلَبَهُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقَضَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يُوكَلَ إلَيْهِ فَلَا يَقُومُ بِهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّا لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا هَذَا مَنْ أَرَادَهُ»، وَنَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ إلَى شَابٍّ فِي وَفْدٍ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ حَالُهُ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ الْقَضَاءَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ﵁ إنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ مَنْ يُحِبُّهُ.
1 / 15