254

Табсира

التبصرة

Издатель

دار الكتب العلمية

Номер издания

الأولى

Год публикации

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

Место издания

بيروت - لبنان

الْكَلامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبصار﴾ الاعْتِبَارُ: النَّظَرُ فِي الأُمُورِ لِيُعْرَفُ بِهَا شَيْءٌ آخر من غير جنسها. والأبصار: الْعُقُولُ. وَالْمَعْنَى: تَدَبَّرُوا.
إِخْوَانِي: الدُّنْيَا دَارُ عِبْرَةٍ، ما وقعت فيها حبره إلا ورد فتها عَبْرَةٌ، أَيْنَ مَنْ عَاشَرْنَاهُ كَثِيرًا وَأَلَفْنَا، أَيْنَ مَنْ مِلْنَا إِلَيْهِ [بِالْوِدَادِ] وَانْعَطَفْنَا، أَيْنَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ بِالْمَحَاسِنِ وَوَصَفْنَا، مَا نَعْرِفُهُمْ لَوْ عَنْهُمْ كشفنا، ما ينطقون لو سألناهم وألحفنا، وستصير كَمَا صَارُوا فَلَيْتَنَا أَنْصَفْنَا، كَمْ أَغْمَضْنَا مِنْ أَحْبَابِنَا عَلَى كُرْهِهِمْ جَفْنًا، كَمْ ذَكَّرَتْنَا مَصَارِعُ مَنْ
فَنَى مَنْ يَفْنَى، كَمْ عَزِيزٍ أَحْبَبْنَا دَفَنَّاهُ وَانْصَرَفْنَا، كَمْ مُؤَانِسٍ أَضْجَعْنَاهُ فِي اللَّحْدِ وَما وَقَفْنَا، كَمْ كَرِيمٍ عَلَيْنَا إِذَا جُزْنَا عَلَيْهِ انْحَرَفْنَا، مَا لَنَا نَتَحَقَّقُ الْحَقَّ فَإِذَا أَيْقَنَّا صَدَفْنَا، أَمَا ضَرَّ أَهْلَهُ التَّسْوِيفُ وَهَا نَحْنُ قَدْ سَوَّفْنَا، أَمَا التُّرَابُ مَصِيرُنَا فَلِمَاذَا مِنْهُ أَنِفْنَا، إِلامَ تَغُرُّنَا السَّلامَةُ وَكَأَنْ قَدْ تَلِفْنَا.
أَيْنَ حَبِيبُنَا الَّذِي كَانَ وَانْتَقَلَ، أَمَا غَمَسَهُ التَّلَفُ فِي بَحْرِهِ وَمَقَلَ، أَيْنَ الْكَثِيرُ الْمَالِ الطَّوِيلُ الأَمَلِ، أَمَا خَلا فِي لَحْدِهِ وَحْدَهُ بِالْعَمَلِ، أَيْنَ مَنْ جَرَّ ذَيْلَ الْخُيَلاءِ غَافِلا وَرَفَلَ، أَمَا سَافَرَ عَنَّا وَإِلَى الآنَ مَا قَفَلَ أَيْنَ مَنْ تَنَعَّمَ فِي قَصْرِهِ وَفِي قَبْرِهِ قَدْ نَزَلَ، فَكَأَنَّهُ فِي الدَّارِ مَا كَانَ وَفِي اللَّحْدِ لَمْ يَزَلْ، أَيْنَ لجبابرة الأَكَاسِرَةُ الْعُتَاةُ الأُوَلُ، مَلَكَ أَمْوَالَهُمْ سِوَاهُمْ وَالدُّنْيَا دُوَلٌ.
خَلا وَاللَّهِ مِنْهُمُ النَّادِي الرَّحِيبُ، وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ طُولُ الْبُكَاءِ وَالنَّحِيبُ، وَعَايَنُوا مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ كُلَّ عَجِيبٍ، وَسُئِلَ عَاصِيهِمْ فَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يُجيِبُ.
مَضَى وَاللَّهِ الْكُلُّ عَلَى مِنْهَاجٍ، وَسَارُوا بَيْنَ غَوَارِبَ وَأَحْدَاجٍ، وَرَحَلُوا إِلَى الْبِلَى أفواجًا بعد أفواج. ولقوا لَغَبَ الطَّرِيقُ عَلَى تَعَبِ الإِدْلاجِ، وَتَوَسَّطُوا بَحْرَ الْجَزَاءِ الْمُدْلَهِمَّ الْعَجَاجُ، وَظَنُّوا سَلامَتَهُمْ فَهَاجَتْ أَمْوَاجٌ بَعْدَ أَمْوَاجٍ، وَنُشِرَتْ

1 / 274