Табсира
التبصرة
Издатель
دار الكتب العلمية
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Место издания
بيروت - لبنان
أَمَا تَخَافُ يَا مَنْ لَمْ يَفِ لِمَوْلاهُ أَبَدًا أَنْ يَقُولَ فِي بَعْضِ خَطَايَاكَ: هَذَا فراق بيني وبينك.
كَانَ الْحَسَنُ شَدِيدَ الْخَوْفِ وَالْبُكَاءِ فَعُوتِبَ عَلَى ذلك فقال: وما يؤمنني أن يَكُونُ اطَّلَعَ عَلَيَّ فِي بَعْضِ زَلاتِي فَقَالَ: اذْهَبْ فَلا غَفَرْتُ لَكَ!
(لَعَلَّكَ غَضْبَانٌ وَقَلْبِي غَافِلٌ ... سَلامٌ عَلَى الدَّارَيْنِ إِنْ كُنْتَ رَاضِيَا)
أخبرنا ابن حَبِيبٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي صَادِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ بَاكَوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَرَجِ الشُّرَيْحِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيَّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ مُوسَى الزَّاهِدُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْجَبَّانِ إِذْ سَمِعْتُ حَزِينًا يُنَاجِي مَوْلاهُ وَيَشْكُو إِلَيْهِ مَا يَلْقَاهُ يَقُولُ:
سَيِّدِي! قَصَدَكَ عَبْدٌ رُوحُهُ لَدَيْكَ، وَقِيَادُهُ بِيَدَيْكَ، وَاشْتِيَاقُهُ إِلَيْكَ، وَحَسَرَاتُهُ عَلَيْكَ، لَيْلُهُ أَرَقٌ، وَنَهَارُهُ قَلَقٌ، وَأَحْشَاؤُهُ تَحْتَرِقُ، وَدُمُوعُهُ تَسْتَبِقُ شَوْقًا إِلَى رُؤْيَتِكَ، وَحَنِينًا إِلَى لِقَائِكَ، لَيْسَ لَهُ رَاحَةٌ دُونَكَ، وَلا أَمَلٌ غَيْرَكَ.
ثُمَّ بَكَى وَرَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: سَيِّدِي؟ عَظُمَ الْبَلاءُ وَقَلَّ الْعَزَاءُ، فَإِنْ أَكُ صَادِقًا فَأَمِتْنِي. وَشَهَقَ شَهْقَةً فَحَرَّكْتُهُ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ، فَبَيْنَا أَنَا أُرَاعِيهِ وَإِذَا بِجَمَاعَةٍ قَدْ قَصَدُوهُ فَغَسَلُّوهُ وَحَنَّطُوهُ وَكَفَّنُوهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ وَدَفَنُوهُ وَارْتَفَعُوا نَحْوَ السَّمَاءِ فَأَخَذَنِي فِكْرٌ وَغَشِيَتْنِي غَشْيَةٌ فَلَمْ أُفِقْ إِلا بَعْدَ حِينٍ.
يَا سَالِكًا طَرِيقَ الْجَاهِلِينَ، رَاضِيًا بِلَعِبِ الْغَافِلِينَ، مَتَى نَرَى هَذَا الْقَلْبَ الْقَاسِيَ يَلِينُ، مَتَى تَبِيعُ الدُّنْيَا وَتَشْتَرِي الدِّينَ، واعجبًا لِمَنْ آثَرَ الْفَانِيَ عَلَى مَا يَدُومُ، وَتَعَجَّلَ الْهَوَى وَاخْتَارَ الْمَذْمُومَ، وَدَنَتْ هِمَّتُهُ فَهُوَ حَوْلَ الْوَسَخِ يَحُومُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْقَبِيحِ نَاسِيًا يَوْمَ الْقُدُومِ، فَأَصْبَحَ شَرَّ خَاسِرٍ وَأَبْعَدَ مَلُومٍ.
(أَتَغُرُّنِي آمَالِيَهْ ... بَعْدَ الْقُرُونِ الْخَالِيَهْ)
(أَهْلُ الْمَرَاتِبِ وَالْمَنَاصِبِ ... وَالْقُصُورِ الْعَالِيَهْ)
(عَادَتْ لَهُمْ دُنْيَاهُمُ ... بَعْدَ الْمَوَدَّةِ قاليه)
1 / 244