Табсира
التبصرة
Издатель
دار الكتب العلمية
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Место издания
بيروت - لبنان
وَعَظَ فَقَالَ فِي مَوْعِظَتِهِ:
أَيُّهَا النَّاسُ تَقَوُّوا بِهَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَصْبَحْتُمْ فِيهَا عَلَى الْهَرَبِ مِنَ النَّارِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ، فَإِنَّكُمْ فِي دَارِ الثَّوَاءِ فِيهَا قَلِيلٌ، وَأَنْتُمْ فِيهَا مُؤَجَّلُونَ وَخَلائِفُ مِنْ بَعْدِ الْقُرُونِ، الَّذِينَ اسْتَقْبَلُوا مِنَ الدُّنْيَا زُخْرُفَهَا وَزَهْرَتَهَا، فَهُمْ كَانُوا أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَارًا وَأَمَدَّ أَجْسَامًا وَأَعْظَمَ آثَارًا، فحددوا الْجِبَالَ وَجَابُوا الصُّخُورَ، وَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ مُؤَيَّدِينَ بِبَطْشٍ شَدِيدٍ وَأَجْسَامٍ كَالْعِمَادِ، فَمَا لَبِثَتِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي أَنْ طَوَتْ مُدَّتَهُمْ، وَعَفَتْ آثَارَهُمْ، وَأَخْوَتْ مَنَازِلَهُمْ، وَأَنْسَتْ ذِكْرَهُمْ، فَمَا تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ وَلا تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا. كَانُوا بِلَهْوِ الأَمَلِ آمِنِينَ كَبَيَاتِ قَوْمٍ غَافِلِينَ أَوْ كَصَبَاحِ قَوْمٍ نَادِمِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِي قَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ بَيَاتًا فَأَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ، وَأَصْبَحَ الْبَاقُونَ يَنْظُرُونَ فِي آثَارِ نِقْمَةٍ وَزَوَالِ نِعْمَةٍ وَمَسَاكِنَ خَاوِيَةٍ، فِيهَا آيَةٌ لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ وَعِبْرَةٌ لِمَنْ يَخْشَى، وَأَصْبَحْتُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ فِي أَجَلٍ مَنْقُوصٍ وَدُنْيَا مَقْبُوضَةٍ، فِي زَمَانٍ قَدْ وَلَّى عَفْوُهُ وَذَهَبَ رَجَاؤُهُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلا جُمَّةُ شَرٍّ وَصَبَابَةُ كَدَرٍ وَأَهَاوِيلُ عِبَرٍ [وَعُقُوبَاتُ غُبَرٍ] وَأَرْسَالُ فِتَنٍ وَرَذَالَةُ خَلَفٍ، بِهِمْ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَلا تَكُونُوا أَشْبَاهًا لِمَنْ خَدَعَهُ الأَمَلُ وَغَرَّهُ طُولُ الأَجَلِ، نَسْأَلُ اللَّهَ ﷿ أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ وَعَى نَذَرَهُ وعقل سراه فمهد لِنَفْسِهِ.
(تَزَوَّجَ دُنْيَاهُ الْغَبِيُّ بِجَهْلِهِ ... فَقَدْ نَشَزَتْ مِنْ بَعْدِ مَا قُبِضَ الْمَهْرُ)
(تَطَهَّرْ بِبُعْدٍ مِنْ أَذَاهَا وَكَيْدِهَا ... فَتِلْكَ بَغِيٌّ لا يَصِحُّ لَهَا طُهْرُ)
(وَنَحْنُ كَرَكْبِ الْمَوْجِ مَا بَيْنَ بَعْضِهِمْ ... وَبَيْنَ الرَّدَى إِلا الذِّرَاعُ أَوِ الشِّبْرُ)
الْكَلامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وما عند الله باق﴾ يَا كَثِيرَ الْخِلافِ، يَا عَظِيمَ الشِّقَاقِ، يَا سيىء الآدَابِ، يَا قَبِيحَ الأَخْلاقِ، يَا
1 / 219