وتوثق لنا الآداب العربية، منذ القرن التاسع الميلادي على الأقل، أن العرب كان يعرفون الثلج ويتعاملون به؛ ففي الليلة العاشرة من قصص «ألف ليلة وليلة» نجد في حكاية الحمال والبنات الثلاث تحدثا عن المشروبات الباردة المقدمة إلى هارون الرشيد: «فقامت البوابة وقدمت له سفرة مزركشة، ووضعت عليها باطية من الصيني، وسكبت فيها ماء الخلاف، وأرخت فيه قطعة من الثلج ومزجته بسكر، فشكرها الخليفة.»
42
والباطية هي كوب، والخلاف نوع من صنف شجر الصفصاف، له ثمر زكي الرائحة ناعم المشم، ويستخرج من زهره شراب يمزج بالسكر.
وفي المقامة «البغدادية» لبديع الزمان الهمذاني (توفي 398ه/1007م)، يعد عيسى بن هشام ضحيته السوادي بماء يشعشع بالثلج. وفي المقامة الساسانية ورد الماء المثلج في شعر شخصية أبي الفتح الإسكندري:
أريد ماء بثلج
يغشى إناء طريفا
وهذا يؤكد أن الماء المثلج كان منتشرا في الأسواق الشعبية، في بغداد ودمشق وغيرهما من المدن
43
العربية والإسلامية.
حتى إن الذين يتبرعون بالماء للناس كانوا يحرصون على تقديمه باردا. وقد أكد الرحالة ابن حوقل (توفي بعد 367ه/بعد 977م) على ذلك منذ القرن 4ه/10م، حيث قال: «وقلما رأيت خانا أو طرف سكة أو محلة أو مجمع ناس إلى حائط بسمرقند يخلو من ماء مسبل مجمد، وذكر لي من يرجع إلى خبرة أن بسمرقند في المدينة وحيطانها فيما يشتمل عليه السور الخارج زيادة على ألفي مكان يسقى فيها ماء الجمد مسبلا عليه الوقوف من بين سقاية مبنية وحباب نحاس منصوبة وقلال خزف مثبتة في الحيطان مبنية.»
Неизвестная страница