45
وفي المقابل لا يمكن أن يكون الجسم نفسه حارا وباردا في الوقت نفسه؛ لأن «الحرارة والبرودة ليستا من الكيفيات التي بها يستعد الجوهر لانفعال ما ... وذلك لأن الحر ليس استعداده للبرد لأنه حار، كيف والبرد يبطل الحر؟ وما دام هو حارا فيمتنع أن يصير باردا؛ فالحر يمنع وجود البرد، لا أن يعد له المادة، بل المادة مستعدة بنفسها لقبول البرد المعدوم فيها، لكنه يتفق أن يقارن تلك الحالة وجود الحر الذي يضاد البرد ويمانعه ويستحيل وجوده معه.»
46
وفي حديثه عن مفهوم «النهوءة» الذي سبق وتحدث عنه المفيدروس وكيف أن الجسم الرطب يكون مستعدا لتتحقق فيه حالة النهوءة حيث تقف حائلا أمام تأثير الحرارة، يقول ابن سينا: «فإن تبقى الرطوبة غير مبلوغ بها الغاية المقصودة، مع أنها لا تكون قد استحالت إلى كيفية منافية للغاية المقصودة، مثل أن تبقى الثمرة نية، أو يبقى الغذاء بحالة لا يستحيل إلى مشاكلة المغتذي، ولا أيضا يتغير، أو يبقى الخلط بحاله لا يستحيل إلى موافقة الاندفاع، ولا أيضا يفسد فسادا آخر؛ فإن استحالت الرطوبة هيئة رديئة تزيل صلوحها للانتفاع بها في الغاية المقصودة، فذلك هو العفونة. والنهوءة يفعلها بالعرض مانع فعل الحر، ومانع فعل الحر هو البرودة.»
47
إذن «النهوءة مادتها جسم رطب، وفاعلها برد أو عدم حر، وصورتها بقاء الرطوبة غير مسلوك بها إلى الغاية الطبيعية؛ فصورتها عدم النضج، وغايتها الغاية العرضية التي تسمى الباطل.»
48
كذلك فقد عاد ابن سينا وناقش حالة الجمود أو التجمد التي تعرض للمادة التي سبق وأن ناقشها المفيدروس، لكن بشيء من التفصيل والتوضيح وفق مفاهيم الحركة والسكون والتمدد والتقلص ؛ فإذا كان حجم المادة يعتريه الزيادة في حال تعرضه للحرارة، فإن حجم المادة سيقل لدى التعرض للبرودة، وما بين التمدد والتقلص تتعرض المادة للتكاثف والتخلخل.
قال ابن سينا: «قد قيل إن اللهيب والغليان لما كان كل واحد منهما إفراط حرارة، وكان الجمود إفراط برد، وكان الجمود خاصة البارد والرطب، فكذلك اللهيب والغليان خاصة الحار اليابس ... وذلك لأن الغليان ليس لإفراط حر، بل إن كان ولا بد فهو حركة تعرض للرطب عن الحر المفرط؛ ولا اللهيب إفراط الحر، بل إضاءة تعرض عن إفراط الحر في الدخان؛ فإن سمي اشتداد الحر لهيبا فلا مضايقة فيه. والجمود ليس إفراط برد، بل أثر يعرض من إفراط البرد لا في كل جسم بل في الرطب. ولا الجمود ضد الغليان؛ لأن الغليان حركة إلى فوق، وتضادها الحركة إلى أسفل إذا كانت تضعه، فأما الجمود فليس هو حركة؛ فلعل الواجب أن يجعل الجمود اجتماع المادة إلى حجم صغير مع عصيان على الحاصر المشكل، والغليان انبساطها إلى حجم كبير مع ترقق وطاعة لحصر المشكل؛ فإن كان كذلك الخلاف بينهما ما بين التكاثف والتخلخل.»
49
Неизвестная страница