Табиицыйят ви Ильм Калам
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Жанры
15
بمعنى أنه بناء صميم طبيعته الصيرورة، هو نسق متتالي التوالد والتنامي والتغير، مما يعني أن منطقه منطق نظام ديناميكي، فمعياره أو خاصيته المنطقية - أي القابلية للتكذيب - تعني أن العلم يحمل في صلب طبيعة إمكانية التصويب إمكانية تعيين مواطن الكذب أو الخطأ وتصحيحها، الاقتراب من الأصوب والأفضل، إمكانية التقدم المستمر دائما استمرارية البحث العلمي، هذه الإمكانية متوشجة في صميم البنية المنطقية للنظرية العلمية، حتى إن منطق العلم التجريبي منطق تصحيح ذاتي.
لذلك ينتهي باشلار إلى أن العلم يتنكر دائما لما ينجزه من حيث دأبه على اختباره ونقده وتصويبه، حتى يبلغ هذا ذروته في القطيعة المعرفية وبدء دورة جديدة؛ فالعلم لا يخرج من الجهل؛ لأن الجهل ليس له بنية، العلم يخرج من التصحيحات المستمرة للبناء المعرفي السابق.
16
هذا التصحيح الذاتي المستمر هو الذي يكفل لتواتر محاولات العلماء الإبداعية، ومحض توالي بحوثهم المنهجية، يكفل لها التقدم المستمر، من حيث يفتح أمامها آفاقا أوسع، معنى هذا أنه مهما أحرزت العلوم الطبيعية من تقدم، فسوف يظل إحرازها هذا يحمل في صلب ذاته إمكانية التقدم الأبعد، فلا ركون ولا سكون البتة، بعبارة أخرى كل إجابة يطرحها العلم يطرح معها تساؤلات جديدة أبعد مراما.
وكما يقول كلود ليفي شتراوس: «سوف تكون هناك دائما فجوة بين الإجابة التي يكون العلم قادرا على إعطائها لنا وبين السؤال الجديد الذي سوف تثيره هذه الإجابة.»
17
من هذه الفجوة الدائمة، تنبع الجذوة الدائمة التي تجعل العالم حياة دائمة.
فلا يتوقف أبدا تقدم مسيرة العلم الطبيعي الظافرة، منذ أن انبثق مع بدايات العصر الحديث في صورة نسقية، مستقلة عن سائر مكونات الأيديولوجيا، وتحمل في صلب ذاتها حيثياتها وإمكانيات تناميها، وفاعلية عوامل تقدمها المطرد في طريقها ذي المعالم الواضحة. والنسقية تعني إحكام المشروع العلمي، فيتركز في شتى ممارساته على أصوليات منهجية صارمة، ترتد في صورة خصائص منطقية دقيقة، تحدد للمشروع العلمي تخوما واضحة، مما يكفل تآزر الجهود العلمية، فيجعلها تمثل متصلا صاعدا، يواصل تقدمه باستمرار، ويلقي في الجوانح الثقة المدعمة بأن غده أفضل من يومه، كما كان يومه أفضل من أمسه، فتمثل كل ممارسة من ممارسات العلم الطبيعي إضافة لرصيده، أو بالأحرى لرصيد الإنسانية، لكن إضافة رأسية.
18
Неизвестная страница