Природа и сверхъестественное: Материя. Жизнь. Бог
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Жанры
أجل، إن الله فعل محض، فلا يمكن أن يكون فعله إلا واحدا وضروريا. غير أن هذا الفعل الواحد الضروري يتناول ممكنات كثيرة، يحققها دون أن يكون فيها وجه ضرورة بالنسبة إلى الموجود المطلق، فمن اللازم إرجاع إيجاد الممكن إلى الحرية. فإن الفعل الحر في الله هو باعتبار نسبته إلى موضوع ممكن، غير متكافئ مع الله، وغير مضطر له، وهذه شروط الفعل الحر. إن العالم بأجمعه ممكن، فهو إذن حادث، والحدوث هو من جهته لا من جهة علته؛ إذ ليس له ضرورة في ذاته؛ لذا يصدر صدورا لا ضروريا، هذا ولسنا ندعي أننا قد نورنا المسألة كل التنوير، ولكنا نعتقد أن الأمر يجب أن يكون هكذا، ولا يمكن أن يكون بخلاف.
أمام منكري الحرية الإلهية فلاسفة أشهرهم دنس سكوت وديكارت يقرون بها، بل يذهبون إلى حد الاعتقاد بأن الله قد كون معاني الممكنات أو ماهيات الأشياء من تلقاء إرادته، دون أن يوجد فيها أية ضرورة تجبره على مراعاة طبائع عناصرها وهيئات تأليفها. كان في مقدور الله أن يخلق الأشياء على غير ما هي عليه الآن، فلا تكون زوايا المثلث مساوية لقائمتين، بل تكون أكثر أو أقل؛ ولا يكون جبل بلا واد، ولا واد بلا جبل. وأمعنوا في هذا الرأي حتى قالوا: إن القانون الخلقي ما هو قانون إلا بموجب الأمر الإلهي، وإنه كان لله أن يفرض قواعد خلقية غير القواعد المفروضة، وكانت تكون عادلة؛ كان لله أن يأمرنا بالكذب، وينهانا عن الصدق، وينهانا عن عبادته ومحبته، وما كان على ذلك اعتراض.
نلاحظ على هذا الرأي ملاحظتين اثنتين: إحداهما أنه يسوق إلى الشك المطلق سوقا من حيث هو يكذب العقل فيما يراه العقل حقا، بالبداهة أو بالبرهان، ويفترض تعادل النقائض. والملاحظة الثانية أن القوانين، سواء الطبيعية والخلقية، تعتمد على طبائع الأشياء، وأدنى تعديل فيها ينزل بها اضطرابا جسيما، إن لم نقل انعداما تاما، كيف تصير زوايا المثلث غير مساوية لقائمتين، وبين هذه المساواة وطبيعة المثلث علاقة ضرورية؟ وكيف يكون جبل بلا واد وليس يكون الجبل إلا بالنسبة إلى واد، وليس يكون واد إلا بالنسبة إلى جبل؟ وكيف يمكن أن ينهانا الله عن عبادته ومحبته فننتهي ونحن مدينون لله بكل شيء. إن بين القوانين من جهة، وبين الإنسان والأشياء من جهة أخرى، علاقات ضرورية لا يراد غيرها إلا ويراد ما يخالف طبيعة الإنسان وطبائع الأشياء، وليس هذا مما يجوز صدوره عن الحكمة الإلهية.
هنا تجيء مسألة علاقة إرادة الإنسان بإرادة الله، تلك المسألة التي حيرت العقول وشككتها في الإرادتين. قلنا: إن العلم الإلهي بالموجودات ليس مستفادا من الموجودات أنفسها، وإلا كان منفعلا بها، والله فعل محض. فالنتيجة المحتومة أن الله هو الذي يعين أفعال الموجودات، ويعلمها في هذا التعيين. وبعد بيان هذه القضية نبين أن ليس فيها عبث بالحرية الإنسانية. كثيرون يظنون أن الحرية تقتضي أن يصدر فعل الإرادة عنها أصلا، وهذا غير صحيح، فإن الله المحرك الأول الذي يحرك كل قوة إلى فعلها، وليس هذا التحريك قسرا؛ لأن المقسور هو الذي يتحرك بعكس ميله، والله يحرك الإرادة بأن يؤتيها ميلها فتتحرك من تلقاء نفسها؛ لذلك لا يرتفع الثواب أو العقاب، وإنما كان يلزم الارتفاع لو كانت الإرادة تتحرك من الله ولا تتحرك أصلا من تلقاء نفسها.
لننظر إلى الأمر من أعلى. إن الله يفعل في كل فاعل؛ لأن الفعل وجود والله علة كل وجود، ولسنا نعني به سلب الفعل عن الخليقة، هذا مستحيل لسببين: لو كانت الأشياء غير فاعلة لكان عجزها راجعا إلى عجز الخالق عن منحها القدرة على الفعل؛ ولما كان لوجودها فائدة، إذ إن كل شيء فهو موجود لأجل فعله. فالله يفعل في الأشياء بحيث يكون للأشياء أيضا فعل خاص، وإنما يمتنع صدور فعل واحد عن فاعلين متى كانا متحدي الرتبة، لكن ليس يمتنع صدور فعل واحد عن فاعل أول وفاعل ثان، والله يعامل كل مخلوق بحسب الطبيعة التي فطره عليها، والمخلوقات الناطقة حاصلة بالطبع على حرية الاختيار، فليس يجبرها الله، وإنما تأثيرها عليها إمالتها باطنا على مطلق الخير أو الخير الكلي الذي تميل إليه ضرورة، ثم إمالتها إلى الخير الجزئي فتختاره بذاتها. فليس هناك جبر وإكراه، بل فقط إمالة وميل ذاتي عن طواعية. وبذا يبطل الاعتقاد بأن سابق إرادة الله وعلمه بأفعالنا هو علة الهلاك أو النجاة: فليس يعقل أن يريد الله الهلاك لأحد، وإنما المعقول أن الموجود خير؛ لأن الله أراد له الخير، وأنه مهما يكن لدى الإنسان مما يوجهه إلى النجاة فإنه راجع إلى الانتخاب الإلهي، حتى الاستعداد له فإنه هو أيضا لا يتم إلا بمدد من الله، وهذا كلام لازم عن فكرة العلة الأولى. فالحرية الإنسانية والقدرة الإلهية حقيقتان متبرهنتان، وحين تتبرهن حقيقتان بالحجج التي تناسبهما، فيجب الاستمساك بهما جميعا، حتى ولو لم ندرك النسبة التي تربط بينهما. (4) الخلق «فالق ظلمة العدم بنور الوجود.»
6
كلمة جليلة بديعة تبين عن أخص خاصية لله بالنسبة إلى العالم، وتلك هي أنه موجد لغيره، خالق لا من شيء، مبدع بدون مادة متقدمة أو آلة سابقة. وهذا معنى لازم أولا عن ذات الله: فمتى كان الله هو الموجود بالذات، كان واحدا أو وحدانيا، وكان كل ما سواه موجودا به، ولم يمكن اتباعه للمادة. وهذا المعنى لازم ثانيا من برهان العلة الغائبة، حيث أبنا أن منظم الموجودات هو خالقها بالضرورة؛ لأنها تمضي إلى غاياتها من باطن، لا بترتيبها ترتيبا ظاهريا كالطوب المرصوص. وثالثا من برهان واجب الوجود، فإن الممكن الوجود إن كان مركبا من مادة سابقة كان حائزا على جزء ضروري، وشارك واجب الوجود الذي لا يقبل مشاركة في الوجوب. وبذا نستبعد أولا الثنائية التي تشطر الوجود شطرين ضروريين: أحدهما المادة الأزلية، والآخر الصانع الأزلي، وليست المادة موجودة بذاتها. وقد أسلفنا القول عن هذه النظرية.
ونستبعد ثانيا نظرية صدور الموجودات عن ذات الله، كما جاءت عند أفلوطين وابن سينا: فإن ما يصدر عن الذات صدورا ضروريا، على ما يصفان، فهو مثل الذات؛ إلهي بجميع الصفات الإلهية وليس كمثل الله شيء. أجل، إن من شأن الوجود البسيط كل البساطة، والواحد كل الوحدة، كالله، أن يصدر عنه واحد فقط، كما يقول ابن سينا، فإن صدرت عنه كثرة، كانت دليلا على تكثر ذاته. ولقد كان يصدق قول ابن سينا لو كان الله فاعلا بالطبع فقط، فإن كل فعل يصدر طبعا هو فعل شبيه بالفاعل لضرورة طبيعة الفاعل. ولكن الله يفعل بالإرادة أيضا، والإرادة متصلة بالعقل، والعقل يمثل معاني كثيرة، فالله يفعل بما يشاء من المعاني التي يعلمها، يزاد على ذلك استحالة ما يقرران من صدور الموجودات بعضها عن بعض؛ لأن المخلوق أعجز من أن يمنح الوجود، ووجوده نفسه مستعار، والخلق عبور مسافة من اللاوجود إلى الوجود، وهذه مسافة لامتناهية، والمخلوق متناه. وأخيرا «أي مناسبة بين كونه (أي العقل المخلوق المدعى له بالخلق) ممكن الوجود وبين وجود فلك منه؟ على حد قول الغزالي».
7
وعلى هذا القياس نقول: أي مناسبة بين كونه واجب الوجود بالأول ووجود عقل منه؟ وأي مناسبة بين كونه واجب الوجود بالعقل الذي قبله ووجود نفس فلكية منه؟ على أي وجه قلبنا هذه النظرية وجدناها ملفقة لا تفسر صدور الموجودات، بل لا تفسر نفسها. (5) العناية
Неизвестная страница