فبلغنا ان النفر تساءلوا فيما بينهم فقال لهم مهدي اما انا فاكفيكم المناظرة ، وقال محمد بن يأنيس وانا تفسير القرآن ، قد اخذته عن الثقات ، واعتمدوا على أيوب في المبارزة . وأخذ النفر في اهبة السفر فخرجوا من جبل نفوسة متوجهين إلى تاهرت ، فلما انفصلوا عن الجبل رغب اليهم محمد بن يأنيس في ان يكون لهم خادما فأبوا عليه ، فالح عليهم إلى أن اجابوا رغبته فجعلوا كلما رحلوا ، ساروا نهارهم الى الليل ، فاذا نزلوا عمد محمد بن يأنيس إلى خيلهم فعلفها ، ثم اخذ في معالجة معيشتهم فإذا طعموا أو ناموا اقبل على الصلاة راكعا ساجدا إلى الفجر ، وكان صائما نهاره وقائما ليله ، فكان هذا دأبه ودأبهم ، فلما رأوا تماديه على ذلك شق عليهم ، واشفقوا عليه . فرغبوا اليه ان يرفق بنفسه أو يدع عن بعض ما تكلفه في سفره ، وينام ساعة من ليله ، فأبى ، فعزموا عليه ان يترك ، والا نظروا في خادم سواه ، فلما تحقق جدهم وخشي ان يعزلوه عما تولى من خدمتهم . قال : قد اجبت ، على ان تأذنوا لي في ركعتين لا غير ، فطابت انفسهم وأذنوا له في الركعتين فلما كان في الليلة المقبلة وقد فرغ من خدمتهم قام ليأتي بالركعتين فقرأ في الركعة الاولى نصف القرآن ، وفي الثانية النصف الآخر ، فطلع عليه الفجر ، فلما كان من الغد وعلم اصحابه بما كان منه شق عليهم اشد مما كان قبل ، فرغبوا اليه في ان يعودوا الى الحالة الأولى ، ورأوا ذلك ارفق به مما صار اليه .
وبلغنا انهم ناموا ذات ليلة فاستيقظ احدهم فرأى ابن يأنيس قائما يصلي وكانت ليلة مطيرة شديدة البرد والريح فسمع لكساء بن يأنيس صريرا اذا ضربته الريح ، فقال : ان كان لا يدخل الجنة الا من كان مثلك يا ابن يأنيس فستستوحش فيها . بل الله لطيف بعباده ورحمته واسعة .
Страница 62