وجاءت «ساعة الوحشة» في المساء الباكر، ونحن في النشوة التي تملك من هو في المكان الأمين، وسط العاصفة المخيفة، وإذا بمسافر تملأ قامته الباب، وتملأ ابتسامته الفندق يدخل ، فيطلب قطعة من اللحم كبرى ابتلعها، ثم راح يغسلها في جوفه بكأس من الوسكي.
ورفع المسافر صوته متغنيا بالطبيعة وبجمال الليل، معلنا أنه سيواصل طريقه إلى بيروت عن طريق مرجعيون، طريق خطرة وطويلة، ولكنها الطريق السالكة غير المسدودة، وأن القمر سيطلع بعد قليل، وأن السير في ذلك المساء سيكون بهيا، وأنه سيبلغ بيروت.
وكانت نبرات صوته، ولهجته الواثقة المتفائلة، وإصراره على الوصول إلى حيث هو قاصد، نفحة من النسيم المنعش النقي، في جو الخوف والدخان، والنوادر التي ملأت غرف اللوكندة.
ووثبت مع المسافر الجريء إلى سيارته؛ فإذا القمر في السماء، وإذا بنا نبلغ بيروت عن طريق مرجعيون، وكان في ذلك شيء من المغامرة خصوصا حين لففنا بعض الأكواع، ولكننا بلغنا بيروت، فيما بقي حتى هذه الساعة - بعد أيام أربعة - رفقاؤنا في «شتورة».
في بلادنا اليوم ذهنية طاغية، تأوي، وحولها العاصفة، إلى «فندق» فيه السلامة والدفء، والأحاديث عن بطولات وهمية وحقيقية سلفت، أناس يحدثون عن استحالة العبور عن طريق ضهر البيدر، حيث تسد الثلوج الطريق، وحيث تتدهور السيارات، وقليلون - مثل ذلك المسافر الجريء - عزموا على الوصول إلى الهدف - بيروت - واثقين أن طريق «مرجعيون» سالكة، ولكنها طويلة وخطرة.
ولكنك لن تصل إلى بيروت إلا حين تعزم وتسير نحو بيروت، ولن تزيل ثلوج ضهر البيدر أحاديث القابعين في فندق «شتورة»، الذين أقنعوا أنفسهم، ويحاولون أن يقنعوك أن الوصول إلى بيروت مستحيل، وحين تعزم على الوصول إلى بيروت في العاصفة، فلا يفاجئنك ظهور دركي يلوح ببارودته، ويأمر، ويقهقه!
تبلغوا وبلغوا
التصريح وما يليه من مقالات ثمانية قد نشرت جميعها متتابعة في مجلة «كل شيء» الأسبوعية.
لو أننا نؤمن بالاغتيال لتدحرجت رءوس كثيرة
الأضواء تتركز في هذه الأيام على الشيخ سعيد تقي الدين، عميد الإذاعة في الحزب القومي الاجتماعي ...
Неизвестная страница