Размышления: о философии, литературе, политике и обществе
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
Жанры
الأستاذ عبد العزيز بك فهمي
1
قد يجد المرء ذو الطعم على نفسه غضاضة أن يعلن عن صديقه فضائله لشخصيته أو محامده العامة؛ لأن هذا يمسه عن قرب وينعكس لمعانه عليه على كل حال، فأوشك بالكاتب عن ذاته أو صديقه أن يبتسم له القارئ فيقول: مادح نفسه يقرئك السلام.
غير أن للواجب مآزق تلجئ إليها ضرورة القيام به، وعلي الصحفي أن لا يدع صغيرة ولا كبيرة من الحوادث النافعة في التنبيه على خلق كريم أو الدالة على مشاعر عاليات ليتم للناس القدوة الحسنة، وليكون آية للأعقاب يهتدون بها وتسكن أنفسهم إلى إيثار المنافع العمومية على المنافع الشخصية عليها جميعا، حتى على الصحة وهي أنفس متاع في الحياة، بهذه المثابة يجب علينا الحرص في مسألة الأستاذ عبد العزيز، تلك المسألة التي اشتغل بها الرأي العام نحو أسبوع.
يسرنا كما يسر صديقنا عبد العزيز بك وكل مصري محب لبلاده، أن يكون الرأي العام في بلادنا يقظا ملتفتا لجميع الحوادث مقدرا رجاله الأمناء قدرهم يطالبهم مطالبة رب الدين أن آتوا بلادكم حقها عليكم وافنوا في خدمة الجمعية التي ولدتكم والتي عليكم اعتمادها في تحقيق الآمال، ويعجبنا أن يكون للناس على خدمة الأمة من الدالة ما يبيح لهم المداخلة في شئونهم التي هي أشبه بالشئون الخاصة منها بالأعمال العمومية، اللهم لك الحمد والمنة على أن جعلتنا نسمع بآذاننا ونرى بأعيننا أن يقف الرأي العام لعبد العزيز بك موقف الذي يعتقد أن هذا الرجل الحر ليس له التصرف في نفسه وملكاته، بل هي وقف على خدمة الأمة فيما تشاء الأمة، غبطة تسيل لها الدموع الباردة فرحا بأن زمن الهدم قد تولى - لا رده الله - وقد جاء بدله زمان بناء الرجال.
ليست المسألة في ذاتها من المسائل السياسية الكبرى ولا من العقد الاجتماعية حتى كنت أتوقع أن تردنا من كل ناحية كتب الاستفهام عما تم فيها، بل كتب الاعتراض علينا في أننا لم نتبين رأينا في المسألة كما نصدع به في كل مسألة سواها، ليست المسألة كذلك ولكنها بسيطة في حد ذاتها لم يعقدها إلا مركز الأستاذ عبد العزيز وثقة الأمة في نائبها المحترم، طلبت إليه الحكومة أن يقبل القضاء في محكمة الاستئناف، وإني شاهد رؤية وسماع على أن الحكومة لم يكن لها في ذلك إلا قصد حسن وخدمة للقضاء. أشهد بذلك، ولكني أشهد معه بأننا في الجمعية التشريعية في غاية الحاجة إلى عبد العزيز بك وزملائه كبار العقول أشداء القلوب الذين يفرطون في كل شيء إلا في حق الأمة مهما صغر قدره وقلت قيمته ، وعلى هذا الاعتبار جرى الرأي العام في تقدير المسألة حتى قال لي يوما كبير الحريين لمناسبة هذه المسألة: تلك جناية على الجمعية تبوء أنت بشطر من المسئولية عليها! وإذا كان هذا هو رأي سعد باشا، فما عسى أن يكون رأي الباقين وماذا عساك تسأل عما ورد علينا من الاحتجاجات من قبل الشبيبة المتعلمة في القاهرة ومن أعماق القرى والكفور.
إن عبد العزيز بك بتواضعه المشهور، لعله لم يقدر ضرورة بقائه في الجمعية بالقياس الذي قدره به جميع أعضائها والرأي العام، إنه رجل قانون طلب إليه خدمة القانون بمحكمة الاستئناف، فكان حاله كالجندي طلب منه أن يخدم سلاحه محل جندي آخر في ميدان الجهاد، فما يأخذه زهو الشهرة عن الخدمة الهادئة بين جدران قاعات الجلسات ولا يظنه عاملا لإقامة الحق، أقل منه شرفا حين يعمل لتأييد الحق والعدل بصورة أخرى في الجمعية التشريعية، وأنا ضمين بأن هذا الرجل العالم لم تتجل أمامه تلك الخيالات اللماعة حين يظفر بالوزارة أو حين يسمع صوته الصريح لتحقيق ما يراه لمصلحة البلاد، شغل بشغل وخدمة للحق هنا وهناك، خدمة للأمة في الحالين، فما يكون من التفضيل في نظره إلا اعتبارات شخصية، وليس لديه من طمع إلا العفاف بالكفاف، فلا مفضل إلا ما يتفق مع مزاجه ويتمشى مع حال صحته، ولقد علم أصحابه أن طبيبه قال غير مرة بعدم استمراره في الجمعية التشريعية وهو الدكتور طلعت بك، قالها وقوله حجة، فكان ذلك هو المرجح عند الأستاذ عبد العزيز وأخصائه، فلما رأى أن الأمة التي أنابته تحرص على نيابته، وأصحابه في المجلس يحرصون على الاحتفاظ به بينهم، قال : وصحتي أيضا فداء.
فليعش هذا المثل الصالح، ولتسلم له صحته، وليبق له فداؤه، فإنه قد ضرب لنا مثلا في التضحية كما ضرب لنا صاحب العطوفة شيخ ساستنا على الإطلاق مصطفى فهمي باشا، مثلا للتضحية والاحتفاظ بالكرامة والاستقلال، وما الأمة إلا أمثلة مضروبة من النبلاء، واقتداء صالح من جانب الأبناء، بذلك تتم التقاليد، وعلى هذا تبنى قوة الشعوب.
فنحن نهنئ صديقنا بثقة الأمة وهي أكبر ما يتمنى الرجل من سعادات الحياة، ونهنئ الأمة بأن فيها من أبنائها من يصلحون في أخلاقهم العامة وكفاءتهم، ليكونوا طلائع الرقي المنتظر والفلاح القريب.
2
Неизвестная страница