Размышления: о философии, литературе, политике и обществе
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
Жанры
كلنا يحب وطنه، وربما كان الرجل أعمق حبا من الشباب، وكلنا يحب سعادته بسعادة وطنه، وربما كان الكهل أشد حبا للسعادة؛ لأنه أشد حبا للحياة، ولكن من الذي يستطيع أن يثبت لنا أنه يوجد لإسعاد وطننا طريق آخر غير طريق التربية والتعليم، أي من ذا الذي يستطيع إقناعنا بل إقناع نفسه هو، بأن استعمال القوة ولو بمظهرها الأدنى ينفعنا ولا يضرنا، أو أن عندنا قوة تستعمل!
لا أحد، ولكن أنصار الحركات - كما قال بعض المحامين الإنجليز - هم غير المسئولين عنها من العجزة والنساء، وغير المفكرين في العاقبة الطامعين في الرقي السريع، وهم شبان الضباط، على ذلك نكرر النصيحة مع اعتقادنا بأن الأقلام والألسن في مصر مجمعة على أن سلوك العسف مهلكة للأفراد وللأوطان - بأن طريقنا هو التربية والتعليم.
قد يقال: رأينا كثيرا من المتعلمين يتمرغون في مراقع الطباع العامية لا يهتمون بكرامتهم ولا يقيمون وزنا للفضائل الاجتماعية، إذ كلفهم الحق فتيلا عافوه واجتنبوه، وإذا حملهم العدل كلفة عادوه، فكيف يكون طريقنا الوحيد هو التربية والتعليم؟
قد يكون ذلك حاصلا في بلادنا وفي غير بلادنا مع فرق كبير في النسبة بالضرورة، ولكن هذا لا يطعن على نظرية الارتقاء بالتربية والتعليم في شيء، فإن العيب إما أن يكون من الاستعداد؛ ولا شبهة في أن مستوى الاستعداد الأمي يرقى بالتربية والتعليم جيلا عن جيل، وإما أن يكون العيب من طريقة التربية والتعليم نفسها، فلا نتكلف إلا إصلاحها وتوجيهها إلى غرضنا منهما، وعلى كل حال، فإننا إذا جعلنا التربية والتعليم غرضنا ووجهنا إليهما العناية التي ننفقها عن سعة في غيرهما مما لا فائدة فيه قدرنا ولا شك على خدمة أنفسنا وسلكنا سبيلنا إلى الارتقاء.
الحرية1
لو كنا نعيش بالخبز والماء، لكانت عيشتنا راضية وفوق الراضية، ولكن غذاءنا الحقيقي الذي به نحيا ومن أجله نحب الحياة ليس هو إشباع البطون الجائعة، بل هو غذاء طبيعي أيضا كالخبز والماء، لكنه كان دائما أرفع درجة وأصبح اليوم أعز مطلبا وأغلى ثمنا، هو إرضاء العقول والقلوب، وعقولنا وقلوبنا لا ترضى إلا بالحرية.
إنا إذا طلبنا الحرية لا نطلب بها شيئا كثيرا، إنما نطلب الغذاء الضروري لحياتنا، نطلب أن لا نموت، ولا يوجد مخلوق أقنع من الذي لا يطلب إلا الحياة ووسائل الحياة، كما أنه لا أحد أقل كرما من ذلك الذي يضن على الموجود الحي بأن يستوفي قسطه من الحياة.
لست أعجب من الذي يستهين بحياة الرجل فيستعجل عليه القدر المحتوم، ولكني أعجب من الذي يبالغ في الرحمة بالإنسان يستحييه شبعان ريان يفهق جيبه بالنقود معطل الحرية، قد ضرب بين عقله وبين الأشياء والمعاني بحجاب، فلا يتناولها، وحيل بين مشاعره وبين موضوعات غذائها فلا تتحرك بل تموت، أعجب من الذي يظن الحياة شيئا والحرية شيئا آخر، ولا يريد أن يقتنع بأن الحرية هو المقوم الأول للحياة ولا حياة إلا بالحرية.
أجل! إن المرء يحفظ حرية الفكر وحرية المشاعر أي يحفظ حرية الطبيعة حتى في غيابة السجن، يحفظها في كل حال هو عليها ما دامت روحه في جسده، إنه خلق حرا، حر الإرادة، حر الاختيار بين الفعل والترك، حرا في كل شيء حتى في أن يعيش وفي أن يموت، غير أن هذه الحرية الطبيعية لا فائدة منها إذا تعطلت من آثارها، فالذي سجن والذي منع الكلام، والذي منع الكتابة، كل أولئك يحفظون حريتهم في نفوسهم، ولكنهم فقدوا الانتفاع بها أي فقدوا بذلك الحرية المدنية.
كذلك الذين تركوا أحرارا كما خلقهم الله، أحرارا يقولون ويكتبون ما يشاءون ويعملون بالمعروف ما يشتهون، ولكنهم ليس لهم في إدارة جمعيتهم إرادة محترمة، أولئك لهم الحرية الطبيعية والحرية المدنية، وهم محرومون من الحرية السياسية.
Неизвестная страница