Размышления: о философии, литературе, политике и обществе
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
Жанры
ما أشمل الرضا للنفس تجلس إلى نفس صديقة مجلسا ليس للتكلف في الأوضاع المادية ولا المشاعر المعنوية فيه أثر! روحان اتفقتا في المشاعر وتم بينهما التفاهم في كثير من أمهات المبادئ العلمية والكليات العقلية، لذة يعرفها الذي يعرف لذة الأحلام، فكثيرا ما تجرد النفس من ذاتها في العزلة خيالا تفضي إليه بما فيها وتبدي له ما خفي في طيات أعماقها من المقاصد، وما رسب فيها من الآلام، فإذا وفقت إلى الصديق الموفق كانت هذه المفاجأة الحلمية اللذيذة أشهى متاعا وأقوى لذة من لذة الهواجس الفردية ومسارح الأحلام.
وما الصداقة بقاصرة في آثارها على هذه اللذة، لذة الحديث العذب والبعد مسوقة عن عذاب الحياة اليومية وأثقال التكلف في أوضاع الأعمال، بل كثيرا ما كان صديقك مرآتك ترى فيها عيوبك وفضائلك جميعا، بل طالما كانت الصداقة وتشيع الأصدقاء مصدرا للتفوق والنبوغ. نفعت الصداقة الروح بتخليصها من سآمة الوحدة وألم الوحشة، ولكنها نفعت العلم والأدب أيضا في كثير من الأحيان.
إحساس تلك هي الحاجة إليه، من حقه أن يتعهد أمره في النفس لينمو فيها، فلا يغيرك لصديقك خطأ وقع فيه، فما الكمال بمدرك في هذا العالم، بل يجب أن تكون معاملة الصديقين مبنية على حسن الاعتقاد وقاعدة التسامح.
سلطة الأمة1
لا يزال عندنا كثير من الناس المسئولين عن مصر بحكم مراكزهم من العلم والمعرفة أو من الحياة والمال من إذا حادثته في سياسة البلد تقبض وجهه وأعرض عن حديثك بنظره، كأنما جئت تلقي تحت نظره ميزانية الإفلاس تنطق له بأن ما على مصر أكثر مما لها. يقول لك الأمة ضعيفة لا سلطة لها، والأخلاق متحللة، والاحتلال لا يعمل شيئا لترقيتها، فكل جهد ضائع وكل عمل غير نافع. يقول لك ذلك وزفراته يلحق بعضها بعضا دلالة على أن نفسه تذهب على وطنه حسرات، ومع الأسف أن هؤلاء اليائسين هم بفضل مراكزهم قدوة للكثير من الشبان ينقلون إليهم هذا المعنى، معنى اليأس الذي يبعد عليه أن يأتي بنفع البلاد ... على أن الحس يثبت لنا كل يوم بالأمثلة أن المرء من طبعه أن لا يقنط من أمر محبوب لديه، بل النفس مائلة للاعتقاد بوقوع ما تحب دائما حتى من غير دليل.
وترى الخصم أمام القضاة لا ييأس من كسب قضيته ولو كان مبطلا عالما بباطله، وترى الموظف لا يقنط من الرقي مهما قامت لديه الأدلة على عدم كفاءته وتصميم رؤسائه على عدم ترقيته، والتاجر الذي كثرت عنده البضاعة ونزلت عليه السوق، لا يقنط من ارتفاعها ثانية أي من الربح المنتظر مهما دلت المقدمات على نقيض ذلك حتى يقع في الإفلاس، ذلك بأن الإنسان من دأبه الرجاء، وإنه لحب الخير لشديد، فما أعجب من شيء عجبي لرجل يحب خير وطنه كما يحب الخير لنفسه أو أشد، ومع ذلك سرعان ما يتسرب إليه القنوط من نجاحه لأول صدمة أو لظهور عرض من الأعراض الزائلة غير مناسب لوسائل الارتقاء.
أستغفر الله من أن أقول إن في وطنية أولئك اليائسين دخلا أو في قولهم زورا، ولكن الذي أراه أن ما هم فيه من اليأس ليس نهائيا، ولكنه متقطع يطوف عليهم كلما ظهرت بوادر الفشل، ويذهب عنهم كلما ظهرت طلائع النجاح، فتسميته يأسا فيها تسامح، وأولى بهذه الحال أن تعد ضربا من التردد الذي ينتج دائما عن عدم فهم وسائل الرقي فهما صحيحا، ومن الخطأ في تقدير مركزنا تقديرا تاما، لا يدخل إليه الشك من أي مكان.
إن الحكم على حال مصر الحاضرة حكما صحيحا، وفهم وسائلها للتقدم فهما تاما والعمل لتقويتها عملا متواصلا، يجعل المصري لا يبالغ في نتائج بادرة من بوادر الفشل ولا ينخدع بطليعة من طلائع النجاح، بل يستمر سائرا في عمله الهادي المتين يأخذ من أسباب الفشل درسا نافعا يتقي به أمثالها في المستقبل من غير ضجر ولا فزع، ويستفيد من طلائع النجاح سرورا كامنا وقوة تشجعه على مضاعفة خطاه الثابتة إلى الأمام.
الحكم على حال مصر يتوقف على الحكم على الاحتلال وعلى سلطة الأمة ولست أجد سببا لليأس من قبل الاحتلال الإنكليزي ولا من اليوم القريب الذي تتحقق فيه سلطة الأمة.
حكمنا على الاحتلال الإنكليزي إنما هو كما نحكم على نازلة من السماء لا نستطيع رفعها، ولكننا نستطيع أن نحولها إلى مصلحتنا ونتقي أضرارها كلها أو بعضها، حتى ينقضي أجلها وتمحي آثارها، ولقد صرح الاحتلال بأنه يرمي إلى الغرض الذي نرمي إليه نحن من تقوية مصر حتى تقدر على حماية نفسها، والمصالح الإنكليزية فيها من أن تعبث بها يد قوية. فما علينا إلا أن نطالبه كل يوم بأن يقوم بما افترضه على نفسه وأن يسلك السبل التي توصل إلى هذا الغرض المشترك، وعلينا نحن من جانبنا أن نكون أسرع منه إلى سلوك تلك السبل وأنشط إلى وضع المقدمات، والعمل إلى النتائج، ونبالغ في ذلك حتى نسبقه إلى الإصلاح نحن بأنفسنا؛ لأننا على صدق هذا الوعد نحن المنتفعون أولا وبالذات، لأن الإنكليز لهم غير الهند، وليس لنا إلا مصرنا.
Неизвестная страница