Размышления о религии и жизни
تأملات في الدين والحياة
Жанры
نحن أمام رجل مبادئ من الطراز الذى يظهر فى آفاق الحياة ثم يختفى كما يظهر الشهاب فى ظلمات الليل البهيم، ويبرق وميضه لحظات ثم يتوارى سريعا وقد احترق بما فيه، ونشأة مصعب بن عمير ومحياه ومماته فصول فريدة فى تاريخ الدعوات الكبرى، الدعوات التى تقوم على الجهاد المضنى، والكفاح الرهيب، والتى تتطلب لها وقودا من شهداء لا يعرفون إلا التضحية والفداء، ولا ينتظرون من هذه الحياة الدنيا راحة أو نفعا.
وقد يقرأ المرء سيرا شتى لأبطال كثيرين، ولكنه ما أن ينتهى من قصة مصعب ويتتبع مراحلها الأولى والأخيرة إلا ويشعر بأنه أمام بطولة خاصة. حشو أديمها اليقين الغالى والثبات الرائع، فكأنما عاش الرجل ما عاش لينفخ من روحه ودمه وأعصابه فى مثل من هذه المثل العليا التى يتخيلها البشر، ثم يولى وقد ترك للدعاة إلى الله أسوة تهتاج لها المشاعر، وترمقها إلى الأبد نظرات الإعجاب والتكريم.
* * *
* أول الغيث:
قال على بن أبى طالب جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست إليه فى المسجد وهو مع عصابة من أصحابه فطلع علينا مصعب ابن عمير فى بردة مرقوعة بفروة غنم وكان أنعم غلام بمكة، وأرفههم عيشا، فلما رآه النبى عليه الصلاة والسلام ذكر ما كان فيه من النعيم، ورأى حاله التى هو عليها، فذرفت عيناه وبكى.
قال عمر بن الخطاب: فسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم! يقول: "انظروا إلى هذا الذى نور الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حلة اشتراها بمائتى درهم. فدعاه حب الله وحب رسوله إلى ما ترون"
هكذا بدأ مصعب صحيفة إيمانه... ما أن دخل فى دين الله حتى صرح الشر بينه وبين أسرته الثرية القوية، فحرم من مالها وجاهها، وكلف أن يذوق مرارة العيش
Страница 203