137

Тааммулат

التأملات

Жанры

بصفة عامة، وبشيء من التبسيط والتقريب، يعد الضبط الداخلي أفضل تكيفيا من الضبط الخارجي. وتقوم كثير من التدخلات العلاجية النفسية والتعليمية على نقل موقع الضبط لدى الشخص من الخارج إلى الداخل حتى يصبح مالكا لإرادته متحكما في أفعاله محددا لمصيره. والرواقية، من بين جميع الفلسفات والعلاجات، خير ما يغرس في الإنسان «موقع ضبط داخليا»؛ فالحكيم الحق هو شخص لا سلطان للأهواء والانفعالات على نفسه . وإن سهام الحوادث لتنكسر تحت قدميه (على حد تعبير سينيكا). وإنه لا يعرف الهم ولا الوجل ولا الأسف ولا الرجاء، غني من غير مال، ملك من غير مملكة (بتعبير شيشرون). يضاف إلى هذه الخصال شيء أهم؛ هو أن لا شيء في الوجود يستطيع أن يسلبه إياه.

15 (7) قهر الخوف من الموت

التأمل في قصر الحياة وزوالها، والتأهب للرحيل عن الحياة، ثيمة متواترة في «التأملات»، وفي غيرها من كتابات الرواقيين. ولقد كان سقراط، الأب الروحي للرواقيين وقدوتهم، يؤكد على أن الفلسفة برمتها هي استعداد وتأهب للموت! يقول سينيكا: «القلب الذي طردت منه رهبة الموت لن يجرؤ الخوف على دخوله.»

وفي «هملت» شكسبير نجد صدى رواقيا لتأمل الموت، في مشهد المقبرة؛ حيث يتناول هملت جمجمة يوريك، مضحك الملك، قائلا: «... ويحك يا يوريك المسكين! لقد كنت أعرفه يا هوراشيو. كانت دعابته لا تنتهي، وخياله بارعا كل البراعة. لقد حملني على ظهره ألف مرة، والآن تعاف نفسي تصور ذلك ... من هنا كانت تتدلى الشفتان، اللتان قبلتهما مرارا يخطئها العد، أين نكاتك الآن ودعاباتك؟ وأغانيك وفكاهاتك البارعة، التي أثارت القهقهة حول الموائد؟ ألم تبق لديك نكتة واحدة تسخر بها من فمك المفتوح؟ هل أخنى عليك الدهر تماما؟ اذهب الآن إلى مخدع السيدة العظيمة، وقل لها عبثا تضعين الأصباغ سمكها بوصة. إن هذا سيكون مصيرك. اجتهد لتجعلها تضحك من هذه النكتة ...» (هملت، الفصل 5، المشهد الأول).

وفي «التأملات» يقول ماركوس: «لا تحتقر الموت، بل رحب به لأنه جزء أيضا مما تريده الطبيعة؛ فمثلما نشب ونشيخ، ومثلما نكبر وننضج، وتنمو أسنانا ولحانا وشعرنا الرمادي، ومثلما نتزوج وننجب، كذلك نموت ونتحلل؛ فمن ألف التفكير والتعقل لا يجزع من الموت ولا يبتئس له ولا ينفر منه، بل ينتظره كما ينتظر فعلا من أفعال الطبيعة. وكما أنك الآن قد تكون منتظرا طفلا حملته امرأتك أن يولد من رحمها، كذلك ينبغي لك أن تتشوف إلى اللحظة التي تنسل فيها روحك من هذا الغلاف» (9-3).

وحين يتحدث المعالجون الوجوديون، مقتفين في ذلك أثر هيدجر، عن الوجود الأصيل - إلى - الموت

authentic being towards-death ، فإنما يرددون ثيمة رواقية ويتخذون تقنية علاجية فلسفية قديمة هي «التأمل في الموت»

melete thanatou . يقول ماركوس في «التأملات»: «انظر إلى أي ضرب من الموت يولد كل شيء» (10-18). ويرى الوجوديون أن الوجود الإنساني هو «وجود للموت» ... وجود متجه نحو الموت؛ فبمجرد أن يولد الإنسان يكون ناضجا للموت، وكل حي يحمل جرثومة موته بين جوانحه منذ اللحظة الأولى، ولكن الناس يوهمون أنفسهم بالمنعة من الموت ويتعامون عن حقيقته رغم أن فيها يتم الشعور بالفردية إلى أقصى درجة؛ فكل محتضر يموت وحده ولا يسع أحدا أن يموت نيابة عنه؛ فالموت هو الحادثة الوحيدة في حياة الإنسان التي هي خاصة به بشكل فريد مطلق. وفي هذا القلق أعلى ما يكشف عن الوجود الذاتي الحق، وفيه ما ينتشل الإنسان من الخسران اليومي ويرده إلى الوجود الأصيل ... يرده إلى نفسه. إن الموت هو أصدق الممكنات الإنسانية وأكثرها جوهرية وأصالة. وليست هذه فلسفة تشاؤمية بل هي بالأحرى مذكر حي بأهمية العيش ذاته وجديته، ونفاسة كل آنة من آنات الحياة؛ فالعزيمة هي الثمرة الطبيعية ل «الوجود للموت» تكرسنا لوجود أصيل، وتحملنا على أن نعرف قيمة وجودنا ونأخذه مأخذ الجد، وأن نسعى ملء الممكن ونعيش ملء اللحظة.

16

الموت هو بين الهموم النهائية أكثرها وضوحا وجلاء؛ فليس بخاف على الجميع أن الموت آت لا مرد له. إنها حقيقة مرعبة. ونحن نستجيب لها في المستويات الأعمق من دواخلنا برعب أكبر؛ فكل شيء كما يقول سبينوزا «يريد أن يبقى على حاله.» إنه لصراع صميمي ذلك الناشب بين وعينا بالموت المحتوم وبين رغبتنا الآنية في البقاء. تلك هي الرؤية الوجودية. فالموت يضطلع بدور كبير في خبرة المرء الداخلية، ويرادوه كما لا يراوده أي شيء آخر، الموت يدمدم بلا توقف تحت غشاء الحياة . وهم الموت يغمر الإنسان منذ نعومة أظفاره؛ فالتعامل مع خطر المحو والإزالة هو من المهام الكبرى التي يتعين على الطفل أن ينهض بها في رحلة نموه. وليس لنا من سبيل كي نصمد أمام هذا الخطر المصلت إلا أن ننصب دفاعات ضد الوعي بالموت. وهي دفاعات قائمة على التعامي والإنكار، وتدخل في تشكيل بنية الشخصية، فإذا كانت دفاعاتنا غير توافقية أدى بنا ذلك إلى أمراض سوء التوافق؛ فالمرض النفسي ينجم إلى حد كبير عن فشلنا في تخطي حقيقة الموت والعلو عليها، والأعراض النفسية والبنية الشخصية السيئة التوافق تنبع جميعها من رعب الموت وخوف المرء من الفناء والزوال.

Неизвестная страница