135

Тааммулат

التأملات

Жанры

أقول للعالم إذن: إنني أبادلك الحب (ماركوس أوريليوس، 10-21)

الرواقي، إذن، هو «مواطن العالم»

cosmopolitan ، الكون مدينته والبشر إخوانه. هذا الانتماء «الكوزموبوليتاني» لا يتعارض بحال مع انتماء المرء لجماعته الخاصة؛ فهو إذ يعصمه من الشوفينية البغيضة لا يمس عشيرته ولا بلدته ولا قوميته بل «يتراكز» معها فحسب. إنما الانتماء أشبه بدوائر متراكزة (متحددة المركز): «فبصفتي أنطونينوس فإن مدينتي هي روما، وبصفتي إنسانا فمدينتي العالم؛ لذا فإن ما هو خير لهاتين المدينتين هو وحده الخير بالنسبة لي» (6-44). «هنا أو هناك لا فرق، ما دمت حيثما عشت تتخذ العالم وطنا لك» (10-15). «خذني وارم بي في أي مكان شئت؛ فأينما كنت فسوف أحفظ الجانب الإلهي مني سعيدا؛ أي قانعا، ما دام وجداني وفعلي يتبعان فطرته الخاصة. هل هذا التغير في المكان سبب كاف لأن تشقى نفس ويسوء مزاجها فتكتئب أو تتوق أو تنكمش أو تخجل؟ وهل ستجد في المكان الجديد أي سبب يدعو إلى ذلك؟» (8-45). «... وأن الكائن الإنساني وثيق القرابة بالجنس البشري كله، لا قرابة دم أو بذرة، بل مجتمع عقلي» (12-26)، «أيها العالم ... كل ما هو ملائم لك فهو ملائم لي، وكل ما هو في أوانه بالنسبة لك فهو كذلك عندي، لا متقدم لدي ولا متأخر.» يقول الشاعر: «عزيزتي مدينة سيكروبس»، ألا تقول أنت «عزيزتي مدينة زينوس»؟ ولا يخفى على قارئ «مدينة الله» للقديس أوغسطين أنه قد تأثر فيها بعض الشيء بأفكار ماركوس أوريليوس.

تلك هي «الجامعة الروحية» الرواقية التي يحل فيها «الإنسان» محل «المواطن»، والوحدة العقلية محل الوحدة السياسية، والتي هذبت القانون الروماني وآزرت الدعوة المسيحية إلى المحبة والرحمة، وألهمت مفكري التنوير بفكرة الإخاء الإنساني والحرية والمساواة، وتزداد حاجتنا إليها في زمن العولمة وقد بات واضحا للجميع أن البشرية مقبلة على حقبة جديدة ستكون فيها وحدة البقاء هي البشرية بأسرها لا الفرد الواحد ولا مجموعة الأفراد ولا المجتمع المحلي.

13 (6) أصداء وجودية

الحياة مشروع، ولكي تتحقق كل ممكنات الإنسان وقدراته الكامنة ينبغي أن ينظر إلى حياته على أنها عمل فني عليه أن يبدعه إبداعا وينقحه ويراجعه، «العقل الموجه هو الذي يوقظ نفسه ويكيف نفسه، ويضفي على نفسه الطبيعة التي يريدها، ويجعل كل ما يحدث له يبدو على النحو الذي يريده» (6-8). من أجل ذلك لا بد للمرء من التوقف كل يوم بعض حين وإرجاء الاستجابات الاعتيادية، والالتفات اليقظ إلى النفس، ووضع كل شيء على محك النقد والتمحيص. «إن حياة لا تخضع للنقد هي حياة لا تستحق أن تعاش.» كما يقول سقراط.

في كتابه «تأملات لغير زمانها» يطرح نيتشه سؤاله عن الذات الحقة ويحدد الطريق إلى هويتها ووحدتها؛ فالإنسان يحيا حياته مستسلما للكسل والنوم، غارقا في بحر العادات والرغبات ومشاغل كل يوم. وفجأة يناديه صوت آت من أعماق ضميره: كن نفسك. كل ما تفعله الآن وتفكر فيه وتتوق إليه شيء مختلف عنك. وتصحو «النفس الشابة» من غفوتها وتحاول أن تسترد ذاتها. ها هي ذي تناجي نفسها قائلة: حقا لست شيئا من هذا كله. ما من أحد يمكنه أن يتولى عنك بناء الجسر الذي يتحتم عليك أن تعبريه فوق نهر الحياة، ما من أحد غيرك. صحيح أن هناك طرقا وجسورا وأنصاف آلهة لا حصر لها تريد أن تحملك عبر النهر، لكن ذلك سيكلفك الثمن الباهظ، والثمن الباهظ هو أن ترهني نفسك وتضيعيها. لا يوجد في العالم غير طريق واحد، ولا أحد يمكنه أن يسير عليه سواك. لا تسألي إلى أين يؤدي هذا الطريق؟ عليك أن تقطعيه. «كل نفس شابة تسمع هذا النداء ليل نهار فترتجف؛ لأنها تشعر بالقدر المقسوم لها من السعادة منذ الأزل عندما تفكر في تحررها الحقيقي، غير أنها لن تبلغ هذه السعادة ما بقيت مأسورة في أغلال الخوف والآراء الشائعة. وكم تصبح الحياة مجدبة من كل معنى ومن كل عزاء إذا حرمت هذا التحرر؛ فليس في الطبيعة مخلوق أولى بالرثاء أو أدعى إلى النفور والاشمئزاز من إنسان تهرب من روحه الحارس وراح يطوف بعينيه فيما حوله، ويتلفت مرة ناحية اليمين وأخرى لليسار أو الخلف. إن مثل هذا الإنسان لا يستحق حتى أن نهاجمه؛ لأنه مجرد قشرة خارجية منزوعة اللب، ثوب بال منتفخ ملطخ بالألوان، شبح بائس لا يستطيع حتى أن يثير فينا الخوف، وهو يقينا لا يستثير فينا العطف أو الإشفاق.»

14

أليس هذا وثيق الصلة بقول ماركوس في «التأملات»: «ما أشقى ذلك الإنسان الذي يظل دوما لائبا محوما حول كل شيء، كما يقول بندار، منقبا في أحشاء الأرض!» متحرقا إلى استشفاف ما يدور ببال جيرانه، وما يدري أن بحسبه أن ينصرف إلى الألوهة التي بداخله ويكون له خادما حقيقيا» (2-13).

الروح رحبة عميقة لا يكاد يلم صاحبها بما يجري فيها، والتعلم هو اليقظة والإفاقة؛ إذ يتعلم العقل المنتبه كيف يسترد خبرته من أسن العادة والتقليد والغفلة. على الروح أن تضطلع بنفسها بهذه المهمة من خلال ممارستها اليومية للنقد الذاتي، على طريقة ماركوس في تأملاته: «اتجه إلى ذاتك» (7-28). «حصنك الصغير الذي بين جنبيك» (4-3). «ينبوع خير جاهز لأن يتدفق ...» (7-59). «كيف تؤمن لنفسك نبعا دائما لا مجرد صهريج؟ بأن توطن نفسك طول الوقت على الحرية» (8-51). «لماذا تشتتك المجريات الخارجية كل هذا التشتيت؟ اعط نفسك قسطا من الفراغ لكي تتعلم درسا جديدا مفيدا، وكف عن التخبط هنا وهناك ...» (2-7). «ما كان يوما جهل المرء بما يدور في رءوس الآخرين سببا للتعاسة والشقاء. إنما الشقي من لا ينتبه إلى خطرات عقله هو، ولا يهتدي؛ من ثم، بهديه وإرشاده» (2-8). «السعادة تتعلق على تقدير الذات لذاتها، وما زلت تحرمينها من ذلك وتعلقين سعادتك على الآخرين؛ ذواتهم وآرائهم وتقديراتهم» (2-6). «ما أهنأ باله ذلك الذي لا يتطلع إلى ما يقوله جيرانه وما يفعلون وما يفكرون، بل ينصرف إلى أفعاله هو ليجعلها عادلة موقرة مشربة بالخير» (4-18). «كم تعجبت من أن كل إنسان يحب نفسه أكثر من أي شخص آخر، بينما يضع رأيه في نفسه موضعا أدنى من رأي الآخرين فيه» (12-4).

Неизвестная страница