ووصف للنمو الإنساني السوي.
يذهب الرواقيون إلى أن الميول السوية للكائنات، أي النزعات الأولى السابقة على أي روية أو إرادة هي نوعان؛ ميول ترمي إلى حفظ الفرد نفسه، وميول ترمي إلى حفظ الجماعة التي ينتمي إليها الفرد؛ فكل موجود حي إنما يملك في الأصل بنيته الخاصة وله شعور بها؛ ومن أجل ذلك كان دائم البحث عما يلائمها والبعد عما لا يلائمها. ومن قال إن اللذة هي أول ما ترغب فيه الموجودات فقد أخطأ،
2
إنما تحصل اللذة للموجود حين يجد ما يتفق مع بنيته. والخير لكل موجود هو موافقته طبيعته الخاصة، وموافقة الطبيعة عند الإنسان عبارة عن الحياة وفاقا للعقل، والعقل هو الجزء الرئيسي فينا الذي يقوم ماهيتنا بما نحن ناس. ويلزم عن ذلك أن الحياة وفاقا للطبيعة هي الحياة وفاقا للعقل. لكن الإنسان حين يحيا وفاقا للعقل، لا يكون موافقا لنفسه فحسب، بل يكون موافقا لمجموع الأشياء أي للكون بأسره؛ لأن العقل لا يختص بالإنسان وحده، بل هو أيضا من خصائص الموجود الكلي؛ أي من خصائص الكون. والعقل الإنساني ليس إلا جزءا من العقل الكلي الشامل؛ فبالعقل نحيا في وئام مع أنفسنا، كما نحيا على وئام مع العالم أجمع.
3
يحدد آرون بك في كتابه «العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية» خمسة شروط للنظرية السيكوبالوجية الصالحة، نراها جميعا مستوفاة في العلاج الرواقي: (1) أن تفسر الظاهرة التي تتناولها بأقل تعقيد ممكن. (2) أن تكون من المرونة بحيث تتيح إنشاء تقنيات جديدة، دون أن تكون من التسيب أو التعقيد بحيث تسمح لكل دخيل أو مرتجل من الإجراءات وتجد له تبريرا. (3) أن تكون «قابلة للتحقق» التجريبي
verifiable
أي قابلة للاختبار. (4) أن تكون النظرية السيكولوجية وثيقة الصلة بالعلاج النفسي الخاص بها؛ أي أن تكون المبادئ العلاجية المستفادة مستمدة منطقيا منها. (5) أن تقدم أساسا يبين لنا لماذا تعد التقنيات العلاجية المستمدة منها فعالة وناجعة؛ أي يكون المبرر المنطقي للعلاج وطريقة عمله متضمنين في النظرية. (2) العلاج العقلاني الانفعالي والعلاج المعرفي
ولعل من المفيد لنا في فهم النموذج العلاجي الرواقي أن نضاهي بينه وبين غيره من النماذج العلاجية. ومن النماذج العلاجية الحديثة التي تأسست بالكامل على النظرية الرواقية: العلاج العقلاني الانفعالي عند ألبرت إليس، والعلاج المعرفي السلوكي عند آرون بك.
يقول ألبرت إليس: «يعود أصل العلاج العقلاني الانفعالي إلى الفلاسفة الرواقيين، وبخاصة إبكتيتوس وماركوس أوريليوس.» ورغم أن أغلب الكتابات الرواقية الأولى ضاعت فإن زبدتها قد جاءتنا من خلال إبكتيتوس الذي كتب، في القرن الأول الميلادي، في «المحادثات»
Неизвестная страница