يقول شي شرون: «ما لم يتم علاج الروح، وهو أمر لا يمكن بلوغه إلا بالفلسفة، فلن تكون ثمة نهاية لأوصابنا.» ويقول سينيكا: «الفلسفة تشكل النفس وتشيدها، وتنظم الحياة وترشد السلوك، وتبين ما يجب فعله وما يجب تركه، وتجلس على دفة القيادة وتهدي مسارنا ونحن نتأرجح وسط السكينة.» ويقول ماركوس أوريليوس: «لا تعد إلى الفلسفة كما يعود الطفل إلى المعلم، بل كما يعود الأرمد إلى إسفنجته ومرهمه، أو يعود آخر إلى كمادته وغسوله. بذلك سوف تبرهن على أن إطاعة العقل ليست عبئا كبيرا، وإنما هي مصدر راحة. تذكر أيضا أن الفلسفة لا تريد إلا ما تريده طبيعتك، في حين تطلب أنت شيئا يجافي هذه الطبيعة؛ فأي شيء أدعى إلى القبول من حاجات طبيعتك نفسها؟ هذه هي ذات الطريقة التي تخدعنا بها اللذة. ولكن انظر ألست ترى شيئا أكثر قبولا في الشهامة والكرم والبساطة والاتزان والتقوى؟ وأي شيء أكثر قبولا من الحكمة ذاتها إذا كان ما يهمك هو التدفق المطمئن والدائم لملكتنا الخاصة بالفهم والمعرفة؟» (5-9).
الفلسفة عند ماركوس هي علاج وملاذ، ورفقة حياة: «الحياة صراع ومقام غربة، والمجد الوحيد الباقي هو الخمول. أي شيء إذن بوسعه أن يخفرنا في طريقنا؟ شيء واحد، وواحد فقط؛ الفلسفة. وما الفلسفة سوى أن تحفظ ألوهتك التي بداخلك (عقلك) سالمة من العنف والأذى، وأن ترتفع فوق الألم واللذة، ولا تفعل شيئا بلا هدف، أو بلا صدق أو بلا أصالة، وأن تترك ما لا يعنيك مما يفعله الآخرون أو لا يفعلونه. وأن تقبل كل ما يجري عليك ويقدر لك بوصفه آتيا من نفس المصدر الذي منه أتيت. وأخيرا أن تنتظر الموت بنفس منشرحة على أنه مجرد انحلال للعناصر المكونة لكل شيء حي. فإذا لم يكن بأس في التحرك الدائم للعناصر من عنصر إلى آخر ففيم التوجس من تغير العناصر جميعا وانحلالها؟ ذلك شيء موافق للطبيعة، ولا ضير البتة في أي موافق للطبيعة» (2-17). فإذا كان عملنا وتخصصنا مفروضا علينا، كزوجة الأب، فلتكن الفلسفة لنا أما طبيعية نلوذ بها على الدوام بالفطرة والغريزة، فنعود من ثم إلى عملنا نحتمله ويحتملنا: «إذا كان لك زوجة أب وأم في الوقت نفسه، فسوف ترعى زوجة أبيك ولكن التجاءك الدائم سيكون إلى أمك. فليكن البلاط والفلسفة بالنسبة لك كزوجة الأب والأم، لتكن الفلسفة لك ملاذا دائما ومستراحا وموئلا؛ حتى تجعل القصر يبدو محتملا لك، وحتى تبدو أنت محتملا في القصر» (6-12).
ليست الرواقية مجرد مذهب فلسفي يحتوي، فيما يحتويه، على نظرية للعلاج النفسي، إنما يمكن اعتبار الرواقية في صميمها علاجا نفسيا وإن كان قائما على أساس فلسفي عريض،
1
الحياة السعيدة (اليوديمونية) عند الرواقيين، أي الحياة السلسة التدفق الخالية من الاضطراب والانفعال، هي الحياة الصالحة، الحياة وفقا للفضيلة. والفضيلة هي الوفاق مع الطبيعة أي مع العقل؛ العقل الكلي والعقل الفردي (وهو جزء من العقل الكلي). يقول ماركوس: «بالنسبة لكل كائن عاقل فالعمل وفقا للطبيعة هو أيضا العمل وفقا للعقل» (7-11). والفضيلة هي في الفعل العقلاني المستقيم المتجرد من أي غرض آخر. وتماهي الرواقية بين السعادة والحكمة والفضيلة؛ فالرجل السعيد هو الرجل الصالح وهو الرجل الحكيم ... مواطن العالم؛ الكون مدينته، والبشر إخوانه، وكل ما عدا ذلك من انتماءات هي أمر ثانوي عرضي. والحكيم يحب قدره ويحتضن مصيره ويرضى بنصيبه من «الكل». يقول ماركوس: «لا تحب إلا ما ألم بك ونسج لك من خيط مصيرك؛ فأي شيء أنسب لك من هذا؟» (7-57).
تلح الرواقية على الثبات في الشدائد وتحمل المحن والخطوب، حتى لقد أصبحت كلمة «رواقي»
stoical ، شأنها شأن كلمة «فلسفي»
philosophical ، مرادفة للثبات والسكينة وضبط النفس، والمناعة ضد المفاجئ والمباغت. «فن الحياة أشبه بفن المصارعة منه بفن الرقص؛ فهو أيضا يتطلب أن يكون المرء مستعدا لمواجهة ما يحدث بغتة وعلى غير انتظار» (7-61). «اذرع حياتك دون أي ضغط قهري، وفي أتم سكينة عقلية، حتى لو هتف العالم كله ضدك، وحتى لو مزقت الوحوش أعضاء هذه الكتلة الجسدية البائسة الملتحمة حولك» (7-68). «كن مثل رأس الأرض في البحر تتكسر عليه الأمواج بلا انقطاع وهو ثابت وطيد يخمد من حوله جيشان الماء ...» (4-49). «تذكر في نوبات غضبك أن الغضب ليس من الرجولة في شيء، وأن الرحمة واللين أكثر إنسانية وبالتالي أكثر رجولة؛ فالرحماء هم ذوو القوة والبأس والشجاعة وليس القساة ولا الساخطون؛ فكلما تحكمت في انفعالاتك كنت أقرب إلى القوة؛ فالغضب دليل ضعف شأنه شأن الجزع، فالغاضب والجزع كلاهما أصيب وكلاهما استسلم» (11-18).
لكي تكون لدينا نظرية علاجية ينبغي أن يكون المدخل العلاجي مستمدا مباشرة من نظرية سيكوباثولوجية شاملة. ولكي تكون لدينا نظرية في السيكوباثولوجيا ينبغي أن تشتمل هذه النظرية على تعريف ل «السواء»
normality
Неизвестная страница