205

Та'виль мухталиф аль-хадис

تأويل مختلف الحديث

Издатель

المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق

Номер издания

الطبعة الثانية

Год публикации

1419 AH

فَلَمَّا بَكَتْهُ ﷺ عَائِشَةُ ﵂، فَقَالَتْ: "بِأَبِي، مَنْ يَشْبَعُ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ". وَقَدْ كَانَ يَأْكُلُ خُبْزَ الْحِنْطَةِ وَخُبْزَ الشَّعِيرِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ الشِّبَعَ مِنْهُ، إِمَّا لِلْحَالِ الْأُولَى، أَوْ لِلْحَالِ الْأُخْرَى.
فَذَكَرَتْ أَخَسَّ الطَّعَامَيْنِ، وَأَرَادَتْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَشْبَعُ مِنْهُ، عَلَى خَسَاسَتِهِ فَغَيْرُهُ أَحْرَى أَنْ لَا يَشْبَعُ مِنْهُ.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ ﵁: "لَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ بِصِلَاءٍ وَصِنَابٍ وَكَرَاكِرَ١ وَأَسْنِمَةٍ".
وَقَالَ: لَوْ شِئْتُ لَأَمَرَتُ بِفَتِيَّةٍ٢ فَذُبِحَتْ، وَأَمَرْتُ بِدَقِيقٍ فَنُخِلَ، وَأَمَرْتُ بِزَبِيبٍ فَجُعِلَ فِي سَعْنٍ٣ حَتَّى يَصِيرَ كَدَمِ الْغَزَالِ، هَذَا وَأَشْبَاهُهُ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِقَوْمٍ: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ ٤.
وَقَدْ يَأْتِي على الْبَخِيل الموسى تَارَاتٌ، لَا يَحْضُرُهُ فِيهَا مَالٌ، وَلَهُ الضَّيْعَةُ وَالْأَثَاثُ وَالدُّيُونُ، فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَقْتَرِضَ، وَإِلَى أَنْ يَرْهَنَ.
فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَبْقَى لَهُ دِرْهَمٌ، وَلَا يَفْضُلُ عَنْ مُوَاسَاتِهِ وَنَوَائِبِهِ -زَادٌ؟!!
وَكَيْفَ يَعْلَمُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَهْلُ الْيَسَارِ مِنْ صَحَابَتِهِ، بِحَاجَتِهِ إِلَى الطَّعَامِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُمْ، وَلَا يَنْشَطُ٥ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.
وَقَدْ نَجِدُ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي أَنْفُسِنَا وَأَشْبَاهِنَا مِنَ النَّاسِ.
وَنَرَى الرَّجُلَ يَحْتَاجُ إِلَى الشَّيْءِ، فَلَا يَنْشَطُ فِيهِ إِلَى وَلَده، وَلَا إِلَى

١ الصلاء: الشواء، وَالصِّنَاب: من الْخَرْدَل وَالزَّبِيب، والكراكر: صدد كل ذِي خف.
٢ الْفتية: الصَّغِير من الدَّوَابّ.
٣ السعن: الودك: أَي الدسم.
٤ سُورَة الْأَحْقَاف: الْآيَة ٢٠.
٥ وَفِي نُسْخَة: ينبسط.

1 / 219